ولن أطلب منك أن تُولِّيَ وِجهتي، أو تلتزم طريقتي
إنما أردت أن أوضِّح من كلامي ما أشْكَل، وأمْضي به إلى الطريق الأسهل
فلربَّما تغيَّرت وِجهتُك، وتقاربت نظرتك.
أسأل الله أن يُلهمنا الصواب، وسداد الرأي، وحسن المآب
قولك: (والخبر هو ما تتمُّ به الفائدة من الكلام، ولا يمكن إغفال هذا الأمر المعنوي في مسألة تحديد الخبر)
أقول: لا أظنُّ أنَّ مَفاد هذا القول يغيب عن ذهنك – أيها النبيه -، فهذا القول فيه نظر، إذ أنه ليس كلُّ ما تتمُّ به الفائدة، هو الخبر.
فالفاعل تتمُّ به الفائدة مع فعله، وهو ليس خبرا.
وجملة جواب الشرط، تتمُّ بها فائدة الجملة التي صدرها أداة شرط، وهي ليست خبرا.
وجواب القسم، يتمّ به الفائدة، وهو ليس خبرا.
أليس كذلك – أيها الفاضل -؟
فإن قلتَ: قد قال ابن مالكٍ – رحمه الله – في " الخلاصة ":
" والخبرُ الجزءُ المتمُّ الفائدة "، فما تقول في قَوْل ابن مالك؟
قلتُ: تعريف الخبر بالاقتصار على هذا القَول فيه قصور، ولكن ابن مالكٍ – رحمه الله – قد قيَّد تعريفه المطلق بمثال، وقال: " كاللهُ بَرٌّ والأيادي شاهدة ".
فيكون هذا المثال من تمام التعريف.
أيْ: كأنه قال: المتمُّ الفائدة كإتمام " بَرٌّ " في قولك: " اللهُ بَرٌّ "، وكإتمام " شاهدة " في قولك: " الأيادي شاهدة ".
ويكون هذا التمثيل قبل تمام التعريف، والله أعلم.
وقولك: (ولكن ما المانع أن تصير جملتا الشرط والجزاء، جملة واحدة بحرف الشرط، وإن كانتا في الأصل جملتين)
قلتُ: - يا هذا -، قد ذكرتُ - سابقًا - أنها جملة واحدة بأداة الشرط، سواء كانت الأداة اسمًا أم حرفًا، وذكرتُ لك شاهدًا، وهو " أراكَ إذا اسْتَغْنيتَ عنَّا هَجَرْتَنا ".
فكيف تناقشني في أمر قد اتَّفقنا عليه؟
وقولك: (وكذلك قولنا: " مَن يسألني أعطه "، يكون مجموع الشرط والجزاء الخبر، كأنك قلت: " زيد إن يسألني أعطه "، فـ"مَن" تقوم مقام "زيد"، و"إن" معا، ولكن الفرق أنَّ المبدوءة بـ"زيد " جملة اسمية خبرية، والمبدوءة بـ"من" شرطية)
قلتُ: هنا مبدأ التناقض، وتأسيس البناء على أساس ليَّن، والافتراض غير المعقول، الذي يخالف المعنَى والمسطور والمنقول، قال المتنبِّي:
فإنَّ الجُرْحَ يَنفِرُ بَعدَ حِينٍ * إذا كانَ البِناءُ علَى فَسادِ
وأقول: لا يمكن أن تقوم جملة " زيد إن يسألني أعطه "، مقام جملة " مَن يسألني أعطه "
أولاً، كيف تُساوي " مَن " التي تفيد العموم، بشخص واحد، وتقول: الجملتان متكافئتان، وما فائدة العموم إذًا؟
ثانيًا: كيف تقارن جملة تامَّة المعنى، وهي جملة " إن يسألني أعطه "، بجملة غير تامة المعنى، قد زال منها اسم الشرط، وهي " يسألني أعطه "، بعد حذف " مَن "؟
أليس في هذا خروج عن القياس الصحيح؟
وأقول: لا يا أخي، لا يستقيم ما ذهبتَ إليه، وحاول أن تأتي بأدلَّة صلبة، تَقْوَى على الوقوف والثبات، وهذا معنى قَولي: " ثَبتُّ وزَلَّتِ ".
وقولك: (فليس بينهما فرق كبير)، حول إعراب بيت الأخطل، " من الخفيف":
إنَّ مَنْ يَدخُلِ الكَنيسةَ يَومًا * يَلقَ فيها جآذرًا وظِباءَ
أقول: إعرابنا عام لمختلف التراكيب.
وإعرابكم خاص، قد يُقبَل في موضع، ولكنه لا يكون مقبولاً في ما سواه.
وذلك إذا كانت جملة الجواب واقعة في محل جزم، وعندها يحصل التضارب.
وقولك: (وأقول لا حاجة إلى إعراب الجملتين داخل الجملة الشرطية، ما دمنا جعلناهما خبرا لاسم الشرط)
أقول: بل الصواب أن يُعلَم موقع كلِّ جملة، وإعرابها، إن كان لها محل.
بل وإعراب كلِّ كلمة، وكذا كل حرف من حروف المعاني، وما أشبه ذلك.
أرأيتَ صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب، ومع ذلك نقوم بإعرابها، ونقدِّر محذوفها، إن دلَّ المعنى على محذوف.
وقولك: (ومما يُقوِّي أنَّ الجملة الشرطية جملة واحدة، وقوعها صلة الموصول كقولك: " الذي إن تأته يأتك زيدٌ "، وهو من أمثلة سيبويه)
أقول وأؤكِّد، أنه لا خلاف لدينا في اعتبار الجملة المبدوءة بأداة الشرط، جملة واحدة في الاعتبار، وإذا وقعت موقعًا إعرابيًّا، أُعربَت بكمالها.
والمقصود هو اعتبار الجملة كلها، من ألفها إلى يائها، من دون أن ننتقص منها أداة الشرط، ومثال سيبويه – رحمه الله – يدلُّ على ذلك.
وأزيد الأمر توضيحًا، وأقول:
" لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله، كنزٌ من كنوز الجنَّة "
¥