جملة " لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله ": كلها مبتدأ، والمراد لفظها.
فلا يمكن أن تُحذف كلمة " لا " منها، ثم يقال: ما تبقَّى من الجملة، وهو " حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله " مبتدأ، هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا.
وهذا هو الذي نمنعه، لأنكم تبتدئون الكلام عن الجملة، أنها جملة واحدة، وتقيمون الأدلَّة والبراهين، ثمَّ بعد ذلك تفصلون اسم الشرط عنها وتُعربونه مبتدأ، وما تبقَّى منها تقولون: هو الخبر.
أليس هذا ما تفعلونه؟
فكيف تظلُّ الجملةُ جملةً واحدة، وقد انفكَّ سِوارها؟ وانحلَّ عقالها؟
ونقول: إن أردتم الجملة بكمالها، من دون أن تنتقصوا منها أداة الشرط، فنحن نوافقكم على ذلك، ونعربها على أنها جملة واحدة.
فقد تقع في محل رفع خبر للمبتدأ
أو في محل نصب خبر كان
أو في محل رفع خبر إنَّ
أو في محل نصب حال
أو صفة تتبع موصوفها في الإعراب
أو معترضة لا محل لها
أو صلة للموصول، ولا محل لها أيضا
وقد اكتفيت بذكر بعض مواقعها، واستغنيتُ بذلك عن ذكر الشواهد، والله أعلم
قولك: (وما ذكرته من قول سيبويه " حروف الجزاء تجزم الأفعال وينجزم الجواب بما قبله " دليل على أنه يرى أن الشرط والجواب يصيران جملة واحدة)
قلتُ: ليس في كلامه دليل على أنه يرى أنَّ الشرط والجواب جملة واحدة.
بل المتأمِّل في صياغة كلامه، يرى أنه عدَّ الشرط وجوابه جملتين، هما جملة الفعل الذي ينجزم بحرف الشرط، وجملة الجواب الذي ينجزم بما قبله،
وقولك: (فهذا ابن هشام الذي تتغنى بإمامته)
أقول: نعم، قولك صحيح، وإني – والله – لأتشرَّف به وبعلمه، وأحمدُ اللهَ أن تفضَّل عليَّ، وهداني لعلمه، ووفَّقني للأخذ عنه.
وهو الإمام العالم الذي فاق أقرانه، وأعيا مَن يأتي بعده، حتَّى قيل فيه: (ما زلنا – ونحن بالمغرب – نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية، يقال له " ابن هشام "، أنحَى من سيبويه)
وقد شَهد له الداني والقاصي، وفتح الله بعلمه مسائل مغلقة، وأقبل العلماء والباحثون على كتبه، ينهلون منها، وصنَّفوا المؤلَّفات المختلفة، من الشروحات والحواشي، وإعراب شواهده، والحمد لله على ذلك.
وقولك: (فإني لا أعطي لجملة الجواب إعرابا، لأني لا أعدها جملة مستقلة، وأختلف مع من يجعل لها محلا إن اقترنت بالفاء أو إذا الفجائية)
أقول: هذا رأيك الشخصي، وهو لا يتعدَّى حَيِّزه، وليس هذا الحوار لمناقشة الآراء الشخصية، إنما انعقد هذا الحوار، للنظر في أقوال الخبر الثلاثة، وترجيح أقربها إلى الصواب، فأرجو أن يظلَّ الكلام حول أقوال العلماء فقط، ونصوصهم.
وقولك: (وأختلف مع مَن يجعل لها محلا، إن اقترنت بالفاء أو إذا الفجائية)
قلتُ: عظيم، فإذا لم يكن لها محل، ولم تكن في محل جزم جواب الشرط، فأين جواب الشرط إذًا؟
لِمَ لمْ توضِّحه لنا؟ هل هو رأي لا يقبل الأقاويل؟ أم هل تريد أن تلجأ إلى التقدير والتأويل؟
المعلوم بالثبوت والتواتر، أنَّ نحو قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إثْمَ عَليْهِ} جملة تامَّة المعنى، لا تحتاج إلى تقدير أو تأويل.
وجواب الشرط، هو جملة {فَلا إثْمَ عَليْهِ}
قال سيبويه، في " كتابه ":
(واعلم أنّه لا يكون جواب الجزاء إلاَّ بفعل أو بالفاء.
فأمّا الجواب بالفعل، فنحو قولك: " إن تأتني آتك "، و" إن تضرب أضرب "، ونحو ذلك.
وأمّا الجواب بالفاء، فقولك: " إن تأتني فأنا صاحبك ") انتهى
وعن المبرِّد، في " مقتضبه ":
(ولا تكون المجازاة إلا بفعل؛ لأن الجزاء إنما يقع بالفعل، أو بالفاء لأن معنى الفعل فيها.
فأمَّا الفعل فقولك: " إن تأتني أكرمْك "، و" إن تزرني أزرْك ".
و أمَّا الفاء فقولك: " إن تأتني فأنا لك شاكر "، و" إن تقم فهو خير لك ") انتهى
وقال ابن جني، في " لُمَعه ":
(وجواب الشرط على ضربين: الفعل والفاء.
فإذا كان الجواب فعلا، كان مجزوما على ما تقدم، نحو قولك: " إن تذهبْ أذهبْ معك ".
وأما الفاء فيرتفع الفعل بعدها، نحو قول الله تعالى: {ومَن عادَ فينتقمُ اللهُ منه}، وقال تعالى: {فَمَن يُؤمنْ بربِّه فلا يَخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا}) انتهى
وقال ابن الخبَّاز، في " توجيه اللمع ":
(الثالث: إذا.
قال الله تعالى: {وإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إذا هُمْ يَقْنَطُونَ}
فـ" هُم ": مبتدأ، و" يَقنَطونَ ": خبره
¥