أقول: لا أظنُّ أنَّ مَفاد هذا القول يغيب عن ذهنك – أيها النبيه -، فهذا القول فيه نظر، إذ أنه ليس كلُّ ما تتمُّ به الفائدة، هو الخبر.
فالفاعل تتمُّ به الفائدة مع فعله، وهو ليس خبرا.
وجملة جواب الشرط، تتمُّ بها فائدة الجملة التي صدرها أداة شرط، وهي ليست خبرا.
وجواب القسم، يتمّ به الفائدة، وهو ليس خبرا.
أليس كذلك – أيها الفاضل -؟) انتهى كلامك.
وأقول يا أخي الفاضل أنا حديثي عن الخبر في الجملة الاسمية فما شأن الفاعل هنا وما شأن القسم وغيره؟
ثم قلت يا أخي:
وقولك: (ولكن ما المانع أن تصير جملتا الشرط والجزاء، جملة واحدة بحرف الشرط، وإن كانتا في الأصل جملتين)
قلتُ: - يا هذا -، قد ذكرتُ - سابقًا - أنها جملة واحدة بأداة الشرط، سواء كانت الأداة اسمًا أم حرفًا، وذكرتُ لك شاهدًا، وهو " أراكَ إذا اسْتَغْنيتَ عنَّا هَجَرْتَنا ".
فكيف تناقشني في أمر قد اتَّفقنا عليه؟ انتهى كلامك.
أقول أنت تتفق معي أن جملة الشرط تعد جملة واحدة ولكنك تعود وتجعلهما جملتين لكل جملة إعرابها.
ثم قلت يا أخي:
وقولك: (وكذلك قولنا: " مَن يسألني أعطه "، يكون مجموع الشرط والجزاء الخبر، كأنك قلت: " زيد إن يسألني أعطه "، فـ"مَن" تقوم مقام "زيد"، و"إن" معا، ولكن الفرق أنَّ المبدوءة بـ"زيد " جملة اسمية خبرية، والمبدوءة بـ"من" شرطية)
قلتُ: هنا مبدأ التناقض، وتأسيس البناء على أساس ليَّن، والافتراض غير المعقول، الذي يخالف المعنَى والمسطور والمنقول، قال المتنبِّي:
فإنَّ الجُرْحَ يَنفِرُ بَعدَ حِينٍ * إذا كانَ البِناءُ علَى فَسادِ
وأقول: لا يمكن أن تقوم جملة " زيد إن يسألني أعطه "، مقام جملة " مَن يسألني أعطه "
أولاً، كيف تُساوي " مَن " التي تفيد العموم، بشخص واحد، وتقول: الجملتان متكافئتان، وما فائدة العموم إذًا؟
ثانيًا: كيف تقارن جملة تامَّة المعنى، وهي جملة " إن يسألني أعطه "، بجملة غير تامة المعنى، قد زال منها اسم الشرط، وهي " يسألني أعطه "، بعد حذف " مَن "؟
أليس في هذا خروج عن القياس الصحيح؟ انتهى كلامك.
وأقول:
اعتراضك غير متجه لأني في مقام التمثيل والتقريب ولم أقل إن (زيد) مثل (من) في المعنى ولم أقصد أن الجملة المبدوءة بزيد مثل المبدوءة باسم الشرط في المعنى العام، بل نصصت أنهما مختلفتان فإحداهما اسمية خبرية والثانية شرطيةخبرية وسأقرب الأمر أكثر فأمثل بالجملة الاستفهامية: (من حضر مجلس حازم؟) فمن مبتدأ وفيه معنى همزة الاستفهام التي هي أم أدوات الاستفهام كما أن (إن) هي أم أدوات الشرط وجملة (حضر) الخبر، وهي تختلف في المعنى عما لو وضعنا زيدا مكان (من) فقلنا: زيد حضر مجلس حازم، فهذه اسمية خبرية وتلك اسمية إنشائية.
وقولك (ثانيًا: كيف تقارن جملة تامَّة المعنى، وهي جملة " إن يسألني أعطه "، بجملة غير تامة المعنى، قد زال منها اسم الشرط، وهي " يسألني أعطه "، بعد حذف " مَن ") يدل أنك لم تدرك مقصدي أو أني لم أستطع أن أوصل إليك مقصدي، فأنا أقدر بعد جعل (من) مبتدأ (إن) داخلة على الشرط والجواب كأن الجملة في الأصل: من إن يسألني أعطه. (هذا مثال لا يتكلم به) كما يقول سيبويه.
ثم قلتَ:
وقولك: (وأقول لا حاجة إلى إعراب الجملتين داخل الجملة الشرطية، ما دمنا جعلناهما خبرا لاسم الشرط)
أقول: بل الصواب أن يُعلَم موقع كلِّ جملة، وإعرابها، إن كان لها محل.
بل وإعراب كلِّ كلمة، وكذا كل حرف من حروف المعاني، وما أشبه ذلك.
أرأيتَ صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب، ومع ذلك نقوم بإعرابها، ونقدِّر محذوفها، إن دلَّ المعنى على محذوف. انتهى كلامك.
وأقول:
إن مثل صيرورة الشرط والجواب جملة واحدة مثل المبتدأ والخبر عندما تدخل عليهما ظن وأخواتها حيث تنمحي الجملة الاسمية وتصبح مع جملة ظن جملة واحدة هذا مثال للتقريب فلا تعترض علي بأن أدوات الشرط ليست مثل ظن وأخواتها في الدلالة.
ثم قلت:
وقولك: (ومما يُقوِّي أنَّ الجملة الشرطية جملة واحدة، وقوعها صلة الموصول كقولك: " الذي إن تأته يأتك زيدٌ "، وهو من أمثلة سيبويه)
أقول وأؤكِّد، أنه لا خلاف لدينا في اعتبار الجملة المبدوءة بأداة الشرط، جملة واحدة في الاعتبار، وإذا وقعت موقعًا إعرابيًّا، أُعربَت بكمالها.
¥