تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجواب: لا، لم تعد شرطية، فظهر أنَّ الجملة الجديدة انهارت سريعا، ولم تصمد، فأنتَ قد أتيتَ بجملة جديدة، لا نختلف في إعرابها، بل قد اتَّفقنا عليه سابقًا ولاحقا، لأنَّ اختلافنا في تعيين خبر اسم الشرط الواقع مبتدأ، و"مَن" الجديدة التي أتيتَ بها ليست شرطية.

وتعيين خبر الموصول، لم نختلف عليه ابتداءً،، وهو ليس هدفًا لنا، كما أنَّ إعراب الجملة الشرطية المبدوءة بـ" إن " الشرطية، لم نختلف عليها، لأنَّ الأداة " إنْ " لا محلَّ لها من الإعراب.

وسأذكر لك شاهدًا يوافق مثالك، الذي اجتهدَ فيه – مُقدِّرا لك محاولاتك المتلاحقة.

قال الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الكِتابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ} آل عمران 75.

فوقوع " إنْ " الشرطية بعد " مَن "، لا نختلف فيه، لكنه يختلف عن وِجْهتينا، {ولكلٍّ وِجَهةٌ هو مُولِّيها}، وقرأ ابنُ عامر: {هو مُولاَّها} على البناء للمفعول.

أرأيتَ – أيها الأستاذ النِّحرير – كيف انعطف بك الطريق، وفقدتَ أثرَ الرفيق!

ثمَّ أرأيتَ، كيف صحَّ القَولُ: " ثَبَتُّ وزَلَّتِ "

وقولك: (إنَّ مثل صيرورة الشرط والجواب جملة واحدة، مثل المبتدأ والخبر، عندما تدخل عليهما " ظنَّ وأخواتها "، حيث تنمحي الجملة الاسمية، وتصبح مع جملة " ظنَّ " جملة واحدة، هذا مثال للتقريب، فلا تعترض علي بأن أدوات الشرط ليست مثل " ظنَّ وأخواتها " في الدلالة)

لن أعترض عليك هذه المرة – أيُّها المشاكس -.

ولكن أقول: هل يُعرَبُ المبتدأ والخبر جملة واحدة، بعد دخول " ظنَّ " عليهما؟ أم أنك تعرب أحدهما مفعولاً أولاً، والثاني مفعولا ثانيا؟

الجواب: معلوم أننا لا نعربها جملة واحدة، بل لا بد من تعيين المفعول الأول والثاني.

وهذا ما نفعله مع الجملة الشرطية، التي تبدأ باسم شرط واقع مبتدأ، فتكون جملة فعل الشرط مختلفة عن جملة جواب الشرط، معنى وإعرابا وواقعا.

أرأيتَ: كيف كان تشبيهك حجَّة عليك، كأنك لم تمعن النظر فيه قبل إيراده، والله أعلم.

وقولك: (بلى، هذا ما نفعله نحن وأنتم أيضا، فأنتم أيضا تقرون بوجود الجملة الشرطية، وتفصلون اسم الشرط وتعربونه مبتدأ، والفرق أننا نجعل الشرط والجزاء الخبر، وأنتم تجعلون الشرط وحده الخبر)

أقول: أوَ تستصغر الفرق بين اتِّجاهنا واتِّجاهكم – يا هذا -؟

فرق عظيم، بين وِجهتنا ووِجهتكم.

وِجهتنا لا تحتاج إلى تقدير، أو تأويل، أو تشبيه، أو استعانة، بل هي واضحة في معناها، راسية في مَمشاها، مطمئنَّة في مستقرِّها ومأواها، قد أشرقت في مبتداها، وتألَّقت في منتهاها.

أما وِجهتكم، فها أنتم تبحثون لها عن الأعذار، وتُزيِّنون لها الأخبار، وتبحثون عن مأوى لها واستقرار، لم تثبت على حال، ولم يتَّضح لنا بها قرار.

وأخيرًا، قولك: (أما في الجملة الثانية فأداة الشرط " اسم " وقع في محل رفع بالابتداء، فاستحق الشرط والجواب أن يكونا جملة واحدة مع معنى "إن" في محل رفع خبر، يعني عندما نأخذ الشرط والجواب ونجعلهما خبرا، لا نأخذهما مجردين من معنى "إن" الشرطية، الذي تضمنه "مَن"، لذلك فالجملة الثانية وهي: " مَن جدَّ وجدَ "، جملة اسمية مؤلَّفة من مبتدأ وخبر، "مَن" المبتدأ، والجملة الشرطية المؤلفة مِنَ الشرط والجزاء ومعنى "إن" هي الخبر)

أقول: ألا ترَى أنَّ هذه الفقرة مكرَّرة، وأنك سبق أن أشرتَ إلى هذا التقدير!

وأقول: هذا – والله – من الغرائب، حيثُ لجأتَ إلى هذا التقدير، الذي لا تحتاجه الجملة، وهي سهلة في مبناها، واضحة في معناها، ولا تحتاج إلى هذا التكلُّف.

ولكن، كلُّ مَن ينتصر لمذهبه، يمشي هذا المَمشَى، ويلجأ إلى التقديرات، المقبولة، وغير المقبولة، فلستَ أول مَن فعل هذا.

وأقول: قد أخرجتَ الجملة المبدوءة بـ" مَن " الشرطية، عن حقيقة تركيبها، إلى تركيب جديد غريب، وفَقَدت "مَن" شرطيتَها وعمومَها، ولذلك لم يلجأ سلفُك إلى هذا التقدير، لعلمهم باشتباه حاله، وخطأ مآله.

وأقول: أليست " مَن" قد تضمَّنت معنى الشرط بنفسها؟

فهل تحتاج إلى أداة شرط حتَّى يَفهَم السامعُ معناها؟

ثمَّ ألا ترَى، أنَّ هذا التقدير، قد جعل الجملة الأصلية، والتي كانت قبل تقديرك، جملة مفيدة، تامَّة المعنى، جعلَها جملة ناقصة المعنى!

تأمَّلها بنفسك، بعد أن اشتملت على" إن"، وأصبحت: " مَن إن جدَّ وجدَ "، " مَن إن يسألني أعطه "

لا أظنُّ أنك بحاجة إلى إعراب جملتك الجديدة، لتتبيَّن اغترابها، وسيرَها ومآبها، وسأدعُك تتأمَّلها مليًّا.

ولستُ بطامعٍ أن تَدعَ رأيَك الذي تمسَّكتَ به.

وردِّى علَى شُبهاتِك إنما هو مُوجَّه لمَن لا يزال في حَيرةٍ مِن أمره، ولم يَتثبَّت من القَولِ الراجح، فلعلَّ ما في هذا التعقيب، ما يُزيلُ أوهامَه، ويكشِف أقتامَه.

وبالله التوفيق أوَّلا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا.

ختامًا، أسأل الله أن يسدِّد خطانا، ويصوِّب آراءنا

مع عاطر التحايا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير