فَما لِلنَّوَى لا بارَكَ اللهُ في النَّوَى * وهَمٍّ لَنا مِنها كَهَمِّ المُراهِنِ
ويُروَى: كَهَمِّ المُخاطِرِ
فإن جَعلتَه " العزم "، وهو الأشبه، كان المعنى: هذا الهمُّ بدا لها، وهذا العزم فأمضَتْه، واستَمرَّت عليه، فما بالُها، أي: فما بالُ خَيالِها طارقًا بالليل؟
وكلُّ واحدٍ من ذلك، يجوز أن يكون فاعلَ " بَدا "، من قوله: " هذا النهارَ بَدا لَها "
ومَن رفع " النهارُ "، فقال: " هذا النهارُ "، جعله صفةً لـ" هذا "، وهو رفع بالابتداء.
والذِّكر العائد إليه من الخبر محذوف، تقديره: بَدا لها فيه، فحُذِف.
كما حُذِف مِن قولهم: " السَّمن مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ "، ونحوه.
وفاعل " بدا " في مَن رفع " النهارُ "، ما كان يكون في مَن نصبه، إلاَّ أنه يجوز في قياس قَولِ أبي الحسن الأخفش، في زيادته " مِنْ " في الواجب، أن يكون " مِن هَمِّها " أي: همُّها، وهو أيضًا في موضع رفع.
وتقديره: " هذا النهارُ بدا لها فيه مِن هَمِّها، فما بالُ خَيالِها؟ "
ومَن نصب " النهارَ " في قوله: " هذا النهارَ "، احتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون ظرفًا لـ" بَدا "، كأنه: بدا لها في هذا النهارِ ".
والآخر: أن يكون على " زيدًا مَررتُ به "، لأنَّ " فيه " المقدَّرة في قوله: " هذا النهارَ بدا لها فيه "، في موضع نصب، كما أنَّ " به " في قولك: " زيدٌ مررتُ به " كذلك.
فأمَّا فاعل " زالَ " في قَول مَن رفع، فقال: " زَوالُها "، فهو الزوالُ المرفوع، المضاف إلى ضمير المؤنث.
ويدلُّ على جواز ذلك، وأنه مَثَلٌ، كما حكاه أحمدُ بن يحي، ومحمد بن السَّريّ، عن أبي عمرو بن العلاء، قول أبي داود الإياديّ:
سَألَتْ مَعَدٌّ هذه بِجَدِيَّةٍ * مَنْ جارُ يَقدُم عامَ زالَ زَوالُها؟
فأمَّا " زالَ " على هذه الرواية، فتكون التي عَينها " واوٌ "، مِن: زالَ يَزولُ، فيصير بمنزلة قَولِهم: " خَرَجَتْ خَوارِجُهُ "، وما أشبه ذلك، ممَّا يُفيد فيه الفاعل، الذي مِن لَفظ الفعل، زِيادةً على إفادة الفعل.
ويجوز أن يكون مِن " زالَ: التي عَينها " ياء "، وهو فعل متعدٍّ إلى مفعول.
قال يعقوب: " زِلْتُه فلم يَنْزَل "، كما تقول: مِزتُه فلم يَنمَز.
فيكون المعنى: انمازَ حركتُها عنها، وفارقتُها، وهو دعاءٌ بالهلاك، لأنَّ حركةَ الحيِّ إنما تَبطلُ في أكثر الأمر، لِمَوتٍ أو بَليَّة.
فأمَّا مَن قال: " زالَ زَوالَها "، فنصب، فإنَّ فاعلَ " زالَ " المنتصب بعدها " زَوالَها "، لا يَخلو مِن أحد ثلاثة أشياء:
إمَّا أن يكونَ اسمَ الله عزَّ وجلَّ.
أو " الهمَّ " الذي في البيت، وهو قوله: " مِن هَمِّها ".
أو الخَيال، المراد بقوله: " ما بالُها بِاللَّيلِ ".
وموضع " بالليلِ " نصب على الحال، والمعنى: ما بالُها بالليلِ على خِلافِ رِحلتِها بالنهارِ، ومُفارقتِها لنا؟ "
فالقَول: أنَّ فاعلَ " زالَ " الخيالُ، قَولُ أبي عثمان، وهو قَوله في ما ذكرنا قبل: " زالَ خَيالُها زَوالَها "، كما تقول: كما تقول: " إنما أنتَ شُربَ الإبلِ "، يريد أنَّ المعنَى: " زالَ خَيالُها زَوالاً، مِثلَ زَوالِها "، كما أنَّ قولَك: " إنما أنتَ شُربَ الإبلِ "، تقديره: أنتَ تَشرَبُ شُربًا مِثلَ شُربِ الإبلِ.
و" زالَ " على هذا القول: التي عَينها واوٌ.
وأمَّا كَون فاعل " زالَ ": الهَمَّ، فهو قَول أبي عمرو الشيبانيّ، وذلك أنه قال، في ما حُكِيَ عنه: " زالَ الهمُّ زوالَها "، دعا عليها أن يزولَ الهمُّ معها، حيثُ زالَتْ.
ويَنبغي أن يكون جعل الهمَّ الذي هو الغمُّ، وليس بالعزم، لأنه إن جعله العزمَ، لم يكن دعاءً عليها، بل هو إلى الدعاء أقربُ، وقدَّر في الكلام " معها "، ليصبح الدعاءُ عليها، ويَختصُّ الهمُّ بِزَوالِها معها.
وانتصاب " الزَّوال "، على أنه مصدر، تقديره: " زالَ الهمُّ معها زَوالاً، مِثلَ زَوالِها ".
و" زالَ " هي التي عَينها " واوٌ "، في هذا القول.
فأمَّا كَونُ فاعل " زالَ " اسمَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقد قاله أبو عبيدة، في ما حَكاه أحمدُ بن يَحي، وحكاه محمد بن السِّريّ، غيرَ مَنسوبٍ إلى أبي عبيدة، فقال: " وقال غيرُه "، يعني غير أبي عمرو بن العلاء، أراد: أزالَ اللهُ زَوالَها.
فـ" زَوالها " على هذا القَول، يَنتصِب انتصابَ المفعول به، ولا يَنتصِب انتصابَ المصدر.
¥