تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال: وقال أبو عثمان: ارتَحَلَتْ بالنهار، وأتاه طَيفُها بالليل، فقال: ما بالُها بالليلِ زالَ خَيالُها زوالَها، كما تقول: أنتَ شُربَ الإبلِ، والمعنَى: تَشرَبُ شُربًا مِثلَ شُربِ الإبلِ، فَحَذَفْتَ لِعِلْم السَّامع.

وحَكَى غيرُ محمد بن السَّرِيّ: عن أحمدَ بن يحي، عن أبي عمرو بن العلاء: " زالَ زَوالُها " بالرفع، قال: صادف مَثَلا فأعملَه، وهي كلمة يُدعَى بها، فتَرَكَها، ولم يَنظر إلى القافية.

وعن أبي عبيدة: زالَ زوالَها، يريد: أزالَ زوالَها، فألقَى الألف، وإلقاؤها لغة.

قال: وقال الأصمعيُّ: لا أدري ما هذا؟

قال أحمدُ: وقال غيرُه: " زالَ ذلكَ الهمُّ زوالَها "، دعا عليها أن يزولَ الهمُّ معها، حيثُ زالَتْ، انتهت الحكاية عن أحمد بن يحي.

القول في ذلك: أنَّ هذا في قَول مَن نصب " النهارَ "، يجوز أن يكون إشارةً إلى أحد أربعة أشياء:

أحدها: أن يكون إشارة إلى الارتحال، كأنه لمَّا قال: رَحَلَتْ غُدوةً، قال: هذا الارتحالُ بدا لها النهارَ.

ويجوز أن يكون إشارة إلى " ما "، أو إلى ضميره، الذي في " بدا "، مِن قوله: " فما تقولُ بَدا لها ".

ويجوز أن يكون إشارة إلى " البَداء "، الذي دلَّ عليه " بَدا ".

وهو الظاهر في قول الآخر:

لَعلَّكَ والمَوعودُ حقٌّ لِقاؤهُ * بَدا لكَ في تِلكَ القَلوصِ بَداءُ

فأضمر المصدر الذي أظهره هذا الشاعر الآخر، لدلالة الفعل عليه، ومثل ذلك قوله عزَّ وجلَّ: {ثمَّ بَدا لَهم مِن بَعدِ ما رَأَوُا الآياتِ}

ويجوز أن يكون إشارة إلى " الهَمِّ "، كأنه: هذا الهمُّ بَدا لَها مِن هَمِّها أي: مِن هُمومِها، فيكون: " مِن هَمِّها " في موضع نصب على الحال.

والهمُّ لا يَخلو مِن أحد أمرين:

إمَّا أن يكون الهمّ، الذي هو العزم على الشيء، كقوله:

هَمَمْتُ ولمْ أفْعلْ وكِدتُ ولَيتَني

أو الهمّ، الذي بمعنى الغمِّ، كقوله:

فَما لِلنَّوَى لا بارَكَ اللهُ في النَّوَى * وهَمٍّ لَنا مِنها كَهَمِّ المُراهِنِ

ويُروَى: كَهَمِّ المُخاطِرِ

فإن جَعلتَه " العزم "، وهو الأشبه، كان المعنى: هذا الهمُّ بدا لها، وهذا العزم فأمضَتْه، واستَمرَّت عليه، فما بالُها، أي: فما بالُ خَيالِها طارقًا بالليل؟

وكلُّ واحدٍ من ذلك، يجوز أن يكون فاعلَ " بَدا من قوله: " هذا النهارَ بَدا لَها "

ومَن رفع " النهارُ فقال: " هذا النهارُ "، جعله صفةً لـ" هذا "، وهو رفع بالابتداء.

والذِّكر العائد إليه من الخبر محذوف، تقديره: بَدا لها فيه، فحُذِف.

كما حُذِف مِن قولهم: " السَّمن مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ "، ونحوه.

وفاعل " بدا " في مَن رفع " النهارُ "، ما كان يكون في مَن نصبه، إلاَّ أنه يجوز في قياس قَولِ أبي الحسن الأخفش، في زيادته " مِنْ " في الواجب، أن يكون " مِن هَمِّها " أي: همُّها، وهو أيضًا في موضع رفع.

وتقديره: " هذا النهارُ بدا لها فيه مِن هَمِّها، فما بالُ خَيالِها؟ "

ومَن نصب " النهارَ " في قوله: " هذا النهارَ احتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون ظرفًا لـ" بَدا كأنه: بدا لها في هذا النهارِ ".

والآخر: أن يكون على " زيدًا مَررتُ به "، لأنَّ " فيه " المقدَّرة في قوله: " هذا النهارَ بدا لها فيه "، في موضع نصب، كما أنَّ " به " في قولك: " زيدٌ مررتُ به " كذلك.

فأمَّا فاعل " زالَ " في قَول مَن رفع، فقال: " زَوالُها "، فهو الزوالُ المرفوع، المضاف إلى ضمير المؤنث.

ويدلُّ على جواز ذلك، وأنه مَثَلٌ، كما حكاه أحمدُ بن يحي، ومحمد بن السَّريّ، عن أبي عمرو بن العلاء، قول أبي داود الإياديّ:

سَألَتْ مَعَدٌّ هذه بِجَدِيَّةٍ * مَنْ جارُ يَقدُم عامَ زالَ زَوالُها؟

فأمَّا " زالَ " على هذه الرواية، فتكون التي عَينها " واوٌ "، مِن: زالَ يَزولُ، فيصير بمنزلة قَولِهم: " خَرَجَتْ خَوارِجُهُ "، وما أشبه ذلك، ممَّا يُفيد فيه الفاعل، الذي مِن لَفظ الفعل، زِيادةً على إفادة الفعل.

ويجوز أن يكون مِن " زالَ: التي عَينها " ياء "، وهو فعل متعدٍّ إلى مفعول.

قال يعقوب: " زِلْتُه فلم يَنْزَل "، كما تقول: مِزتُه فلم يَنمَز.

فيكون المعنى: انمازَ حركتُها عنها، وفارقتُها، وهو دعاءٌ بالهلاك، لأنَّ حركةَ الحيِّ إنما تَبطلُ في أكثر الأمر، لِمَوتٍ أو بَليَّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير