قال ابن القيم رحمه الله في رسالة التقليد 15: (ومثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء والرؤساء وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلَّد، كما لو قلد رجلا فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها - كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة، لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا .. )
وفي الرسالة نفسها عن ابن مسعود رضي الله عنه: اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة.
وعن علي رضي الله عنه: والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ...
وفيها: قال عبد الله بن المعتمر: لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان مقلد
وبعد فإني أحمد الله الذي جعلني طالب علم يبحث عن الدليل الصحيح ويحاكم أقوال الرجال على قواعد العلم ولم يجعلني جمّاعة للأقوال والأقاويل بلا تمييز بين الغث والسمين، وأعوذ بالله أن أدعي من العلم ما لا أعلمه أو أن أبرم من الأمر ما لا أحكمه، أو أن أرمي ببهتان أخا مسلما أو أسلمه.
وإني لأربأ بقلمي من أن يرد على من يسف، ولن أرد على الهمزات واللمزات داعيا الله عز وجل أن يغفر له ولي، ولكن لا بد من بيان الحق لطلبة العلم وإيضاح المنهج الذي ينبغي لطالب العلم أن يسير عليه في رحلة البحث العلمي.
إنه المنهج التحقيقي الذي لا يسلم بالاجتهادات الشخصية للعلماء إلا بعد الوقوف على أدلتهم والنظر فيها وعرضها على المنقول والمعقول ودراسة ما عليها من اعتراضات وما قيل في الإجابة عنها حتى ينتهي الأمر بترجيح الاجتهاد أو تضعيفه أو رده.
وردي على ابن جرير لم يكن مبنيا على هوى، وإنما كان مبنيا على دليل من أصول النحو وهو أنه لا يلجأ إلى تقدير محذوف من غير داع، وليس في آية الأعراف داع إلى التقدير إلا كون الجنة الحاضرة مشارا إليها باسم الإشارة (تلكم) الموضوع للبعيد، فظن الطبري أن المشار إليها هي الجنة الموعودة لا الحاضرة، فقدر قبل (تلكم) اسم الإشارة (هذه) للإشارة إلى الجنة الحاضرة التي دخلوها، فقلت إن اسم الإشارة (تلكم) الموضوع للبعيد أشير به للقريب (أي: للجنة الحاضرة) لتعظيم المشار إليه، أي: هذه هي الجنة ما أعظم شأنها وما أجملها وما أكثر ما فيها من نعيم مقيم، فبدلا من (هذه) استعمل (تلكم) وهذا أسلوب عربي معروف ذكره ابن مالك في شرح التسهيل وأورد له شواهد كثيرة من القرآن وأوردت له شاهدا شعريا، وليس ببعيد أن يغيب عن ذهن الطبري في تلك اللحظة هذا المعنى أعني تعظيم المشار إليه الحاضر بالإشارة إليه باسم الإشارة الموضوع للبعيد، فهل في هذا منقصة للطبري أو حط من قدره، لا والله، فإني لأجلّه وأقف كليلا حسيرا أمام تفسيره العظيم، ولكن لا يمنعني ذلك من أن أبين رأيي المبني على دليل عقلي ونقلي في اجتهاد الطبري الشخصي، وأقول اجتهاده الشخصي لأنه لم يسند هذا التفسير وهو أن المشار إليه بتلكم هي الجنة الموعودة لم يسنده إلى تابعي أو صحابي فلا إثم في رده بدليل.
ويقول هذا الذي جعل من نفسه مدافعا عن الطبري وغيره غفر الله له:
(لستَ وحدَك – يابنَ جرير – في هذه المسألة، ولم تأتِ بالغرائب، - كما يَفعل غيرُك -، ولم تَغفَل عن موضع الزُّخرف، ولكن هذا مبلغ الجاهلين من آرائهم، ومنتهَى فَهمم، وهذا – وايم الله - مردُّه عدم التوفيق من الله لنور العلم، فإنَّ للعلم نورًا، قال الله تعالى: {واتَّقُوا اللهَ ويُعلِّمُكُمُ اللهُ
ويحك! كدت تخرجني من الملة وأقسمت أنه عدم توفيق من الله، أطّلعت الغيب يا رجل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هلا ذكرت لي عالما واحدا قبل ابن جرير ذهب هذا المذهب؟ فكل الذين ذكرتهم جاؤوا بعد الطبري وأخذوا منه.
فالزجاج بعده بأكثر من مائة عام، وهو بلا شك عالم جليل ولكنه لم يكن يحقق كل مسائله في معانيه وأنت على علم بأن اباعلي الفارسي استدرك عليه في معانيه هذا في كتاب الإغفال أو الأغفال الذي يقع في مجلدين، ومع ذلك يبقى عالما جليل القدر ننهل من علمه ولا يحط من قدره ما كتبه الفارسي.
ثم قال- وليته اتأد ولكني مع ذلك أقول غفر الله له-:
(وأمَّا القول، بأنَّ " مثل هذا الأسلوب، لم يوجد في كلام عربي فصيح "
¥