تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا لا ننكر أن هذه معرفة لا يمكن تجاهلها، لكنها " معرفة منحازة " للغرب؛ لأنها نتاج تصورات خاصة، ولا ننكر أن النقد العربي الحديث حقق من خلالها كشوفاً مهمة في قراءة النص النقدي والإبداعي، لم تكن لتتحقق لولا وجود هذه المثاقفة، لكن هذا النجاح كان مصحوباً بإخفاق أكبر منه فقد وُضِعت النصوص في كثير من الممارسات على أجهزة التعذيب، وأجبرتها على الإفضاء باعترافات كاذبة وهذا ما أدركه شولز ([43]) قبل أن ندركه نحن، والأدهى من ذلك أنها شوّهت التشكيل الحضاري للأمة برمته ([44]). وقد كشف الدكتور سعد البازعي عن أربع سمات للخطاب الحداثي في النقد العربي الحديث في مثاقفته مع الغرب هي:

1 - مناهضة الفكر المحافظ في الثقافة العربيّة من خلال توظيف خطاب ذي منزع ليبرالي أو تقدمي يساري.

2 - النظر إلى الغرب بوصفه مركز القيادة الثقافية للعالم فالتحرر والتقدم والمعرفة لا تتم إلا من خلال المثاقفة معه.

3 - عزل المفاهيم والمناهج المستعارة عن سياقها المنهجي والثقافي، إما جهلاً بها، أو تهميشاً لها.

4 - الاضطراب والخلط بين المفاهيم والمناهج والسياقات في التنظير والممارسة الإجرائية ([45]).

" المثاقفة النقدية " تكشف لنا إشكالية الثقافة العربيّة في مثاقفتها مع الغرب في جميع المعارف، فهي إشكالية منهج هذه الإشكالية يمكن اختصارها في اتجاهين متعارضين: ((أحدهما: يدعي الأصالة ولكنه منغلق عاجز. والثاني: يزعم التفتح ولكنه واقع في براثن التبعيّة والاستلاب)) ([46]).

وكثيراً ما يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى الحديث عن نجاحهم في كسر شوكة الجبهة المضادة التي تراجعت إلى الصفوف الخلفية وانتقلت من مرحلة الهجوم إلى موقع الدفاع، وأعلنت إفلاسها الثقافي عندما جمدت التراث في قوالب ثابتة مقابل التألق والتجدد وتعدد الرؤى عند أصحاب الاتجاه الأول كما يعبر سامي سويدان ([47]).

والانغلاق " والانفتاح "، أو الرفض المطلق والقبول المطلق دليل تيه منهجي ومثاقفة بلا وعي ((لا الرفض بحد ذاته قادراً على إضعاف حضور تلك المناهج في سياقات حضارية غير سياقاتها، ولا مجرد القبول ممكناً من منح تلك المناهج صفة الحياد الذي يمكنها من الانسجام الكامل داخل أطرٍ ثقافية غير أطرها الأصلية .. )) ([48]).

ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:20 م]ـ

فأين يكمن " المنهج " وكيف تتحقق المثاقفة الراشدة؟؟

أسهل الحلول بروز نزعة توفيقية في النقد العربي الحديث تدّعي توافق كثير من المفاهيم النقدية بين خطابين نقديين مختلفين " غربي " و " عربي " بحجة أن كثيراً من المفاهيم النقدية الجديدة عن الغرب ذات أصول ضاربة في تراثنا النقدي فالبيئة بوصفها سمة مميزة للإبداع موجودة عند الجاحظ والقاضي الجرجاني وابن رشيق، والوجهة النفسية في تحليل النص الأدبي مبثوثة في تراث عبد القاهر، والتناص هو السرقات الشعرية، والبنية الفوقية والتحتية يمكن أن نجد لها أصولاً في " المعنى " و " معنى المعنى ".

وهذا " التلفيق " الذي يلغي الحمولات الفكرية، وينتزع المفاهيم من سياقاتها ليس أقل ضلالاً من " الانغلاق الفجّ " والتشيّع الأعمى للذات أو للآخر. وخطورة هذا التوجه لا تنحصر في تخطيه للأبعاد الفلسفية للمناهج النقدية، وإغفال المرجعية الفكرية للمفاهيم والمصطلحات وطرائق الإجراء فحسب. وإنما في كون التراث النقدي العربي يصبح مرهوناً في أصالته وقدرته على الانفتاح والتجدد بتعالقه مع المقولات النقدية الغربية الحديثة، فهي التي دائماً تمنحه البقاء، وتهبه شهادة استمرار الصلاحيّة.

يذهب الدكتور عبد العالي بو طيب إلى وجوب استحضار ثلاثة مباديء أساسية للتعامل المنهجي الذي يهدف إلى استثمار إيجابيات المناهج الغربية في نقد الأدب هي:

1 - ضرورة فهم المنهج في شموليته، فهناك جانبان في كل منهج " جانب مرئي " يتمثل في وجود أدوات إجرائية تساعد على إدراك الحقيقة وتقديم الدليل عليها، " وجانب لا مرئي " يتمثل في الخلفية النظرية المؤطرة للمنهج، والمحددة لغاياته والعلاقة بين هذين الجانبين علاقة جدلية كعلاقة العلة بالمعلول، والفهم العميق لا يتحقق إلا باستحضارهما معاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير