2 - قيمة المنهج في كفايته الإجرائية، فكل المناهج صالحة بالقوة مهما اختلفت خلفياتها الايدلوجيّة مالم يثبت الفحص عكس ذلك، فالإيمان بصلاحية المنهج أو عدم صلاحيته بدون فحص لكفايته " تشيع أعمى " منافٍ لأبسط قواعد البحث العلمي، والاختبار يتحقق من خلال التماسك النظري للمنهج والقدرة الإجرائية أو التطبيق.
3 - قضية المنهج والإشكال الحضاري العام: فانقسامنا إلى تيارين متضادين مظهر لهذا الإشكال، ظروف تاريخية تحتم الاقتباس، وخصوصية ثقافية تفرض شروطاً موضوعية تضبط الاقتباس وترسم حدوده ([49]).
هذه المباديء الأساسية التي يطرحها الدكتور بو طيب ويطرحها غيره من النقاد العرب ([50])، يدّعي العلم بها كثير من الناس، وإن كانت الممارسات النقدية تنفي هذا العلم، أو تكشف عواره.
المثاقفة النقدية مع الغرب مرّت بمرحلتين اثنتين:
1 - مرحلة الانبهار والتقليد.
2 - مرحلة التساؤل.
في مرحلة الانبهار والتقليد كان الناقد العربي يملأ خزائنه بكل جديد أو قديم من المفاهيم والآليات، وهدفه الاستعراض الثقافي، ومجاراة الموضات النقدية، وإشعار الآخرين بالتفرد، وقد مارس كثير من النقاد العرب على قرائهم " قمعاً ثقافياً " حيث يحيط الناقد نفسه بهالة من المافيا اللغوية التي يتمترس خلفها موهماً القاريء بدونيته، وتخلفه، وقصور وعيه، وأصبح الاعتراض على أي ممارسة نقدية تقوم على آليات هذه المناهج سمة التخلف والانحطاط الفكري، وهذا العنف في الطرح كان له عنف مضاد استخدم لغة التشهير، والاستعداء، بدلاً من نقد الذات، والمراجعة، والاعتراف بالانطفاء والتبلد، ولم تزل هذه المرحلة تلقي بظلالها على الخطاب النقدي العربي، وتمسك بمفاصله، وتتحكم في حركته. وهذا ما نجده عند كمال أبو ديب في " الرؤى المقنّعة "، وسعيد بن سعيد في " حداثة السؤال " وجابر عصفور في كثير من دراساته المنشورة بمجلة فصول، وأدونيس في " صدمة الحداثة " وغيرهم.
وفي مرحلة التساؤل بدأت تظهر نغمة جديدة من " الشك والتساؤل " في الظهور على السطح، عن وضع النقد العربي المعاصر الذي عجز عن صياغة نظرية نقدية عربية تنتمي إلى التراث الإسلامي، وتعي شروط العصر، وبدلاً من " السجال المغالط " " وحوار العنف " بدأنا نجد اعترافات بالتيه المنهجي، والمثاقفة غير المتكافئة كما ظهر جلياً في كتابات الدكتور شكري عياد، وعباس الجراري، وحسن المنيعي، وحسين الواد، وإدريس الزمزاني، وعبد العالي بو طيب، وعبد العزيز حمودة، ومصطفى ناصف، وعبد القادر القط، ووهب رومية وغيرهم.
وظهر ما يسمى " بالنقد الإسلامي " الذي يقدم نفسه بديلاً، وحلاً لإشكالية المنهج كما نجده في جهود عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني صاحب مفهوم " الإسلاميّة " وعددٍ كبير من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي. ولكن حضور هذا المنهج ظل ضعيفاً، واصطبغت ممارسات نقاده بالسطحية والهشاشة إلى حدّ كبير.
وهذا التساؤل المطروح لم يكن مقتصراً على المثاقفة النقدية، فقد أصبح شغل كبار المفكرين العرب في الفترة الأخيرة البحث عن أسباب تعثرنا الثقافي وركودنا الحضاري الأمر الذي استدعى مراجعة الثقافة العربية ونقدها وتفكيك آلياتها، تارة بآليات غربية ورؤية انتقائية متعسفة كما نجده عند أدونيس ومحمد عابد الجابري، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، والطيب التيزني، وجابر عصفور، والعروي وأركون وبرهان غليون، وغيرهم، وتارة برؤية عربيّة باحثة عن منقذ يعضدها إحساس بقيمة العقل العربي وعظمة تراث الإسلام كما نجده عند محمد جابر الأنصاري، وعبد الحميد أبو سليمان، وعماد الدين خليل، وطه جابر العلواني، ومحمد قطب، وفهمي جدعان، ومحمود شاكر، وجودت سعيد، وخالص جلبي، وعبد الكريم بكّار، وجمال سلطان وغيرهم.
ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:21 م]ـ
الثقافة العربية تدخل ألفيتها الثانية* في غبشٍ من التصوّر أفقدها كثيراً من القيم، وأدخلتها المثاقفة غير المتكافئة نفقاً مظلماً لا يمكن الخروج منه إلا باستراتيجية* واعية تستشعر عالمية الإسلام، وخصوصية الثقافة، وكرامة الإنسان واستخلافه.
¥