تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ظهرت السلوكية في علم النفس الأمريكي على يدي " جون واطسون "، الذي سعى إلى دراسة السلوك دراسة موضوعية ([82]) متأثراً في منهجه بالمنهج التجريبي للعلم في القرن التاسع عشر الذي حصر الحقيقة في كل ما هو مادي، يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولما كان العقل غير ذلك جعلت السلوكية دراسة السلوك مقصورة على ما يمكن إدراكه وهو الحركة متخذة من نظرية " الفعل المنعكس الشرطي " في تجارب " بافلوف " على الكلاب سنداً لها وهي نظرية تتلخص في ما يسمى " بالمثير والاستجابة "، فهناك مثير يثير العقل فيحدث استجابة لدى الجسم، ولهذا كان الدماغ أشبه ما يكون بمحطة الاستقبال عند " بافلوف "، يستقبل الدوافع سواءً كانت دوافع حث، أم دوافع كف فتؤدي إما إلى التهيج وإما إلى القمع ونتيجة لهذا القمع الذي يحدث للدوافع يحصل تعديل في الشبكة العصبيّة في الدماغ ويتم ذلك بصورة آلية لا دخل للإنسان فيها ([83]).

لقد ألغت السلوكية قيمة العقل في السلوك، فهي وإن آمنت بوجوده، فإنها لا ترى له سلطة على سلوك الكائن الحي، وهذا ما ذهب إليه أصحاب نظرية الموازاة، فالإنسان ((ما هو إلا جسم، أما الشعور فلا يعدو أن يكون حصيلة ثانوية لعمليات جسمية، يصاحبها أحياناً، وإن كان ذلك يحدث بصورة عرضية)) ([84])، وهذا ما ذهب إليه " ماركس " حين جعل مشاعر الإنسان تالية لوجوده. يقول: ((في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محددة لا غنى عنها، وهي مستقلة عن إرادتهم، وعلاقات الإنتاج تطابق مرحلة محدودة من تطور قواهم المادية في الإنتاج، والمجموع الكلي لهذه العلاقات يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، وهو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه النظم القانونية والسياسية والتي تطابقها أشكال محدودة من الوعي الاجتماعي. فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يعين الصفة العامة للعمليات الاجتماعية والسياسية والمعنوية في الحياة. ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم، بل إن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم)) ([85]).

لقد جاءت السلوكية لتسد ثغرة في الميكانزم المادي لحركة الكون، فكان الميكانزم العصبي كما تصوره السلوكية بحثاً عن قانون ذلك الميكانزم في جانب النفس الإنسانية يقول هاري ويلز: ((لقد ظلت المادية تعاني ضعفاً ما منذ أن كانت تفتقد هذه الحلقة أي منذ كان الميكانزم العصبي مجهولاً، واستغل المثاليون هذا الضعف واستفاد منه الرجعيون لنشر الجهل وتشويش الفكر وخلق أساطير عن الطبيعة البشرية)) ([86]).

وبهذا التصور أصبح الإنسان كالحيوان لا عقل له، فهو منقاد لدوافعه التي تدفعه وفق قانون لا يختلف، وكأنه ترس في آلة. وبهذا يفقد الإنسان في هذا التصور أغلى ما يملك وهو العقل، وليس غريباً أن تصل السلوكية إلى هذا التصور فهي تبني نظرتها على فكرة أصل الأنواع عند " دارون " الذي يجعل الإنسان حيواناً متطوراً، وعلى نظرية " بافلوف " في ردود أفعال الكلاب على عددٍ من المثيرات.

2 - التحليل النفسي:

التحليل النفسي هو المدرسة الأخرى في علم النفس، وقد ذهبت هذه المدرسة في تحليل الشخصية إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة ((فالشخصية الإنسانية مثل كتلة الجليد العائمة في البحار القريبة من القطب لا يعلو منها فوق سطح البحر إلا جزء ضئيل، ويبقى معظمها مغموراً بالماء، وكذلك الشعور يؤلف جزءاً ضئيلاً من العقل، أما الباقي وهو ما يُعرف باللاشعور أو العقل الباطن فهو الجزء الأعظم، وليس ذلك فحسب بل إنه الجزء المهم من العقل)) ([87]).

ويعود الفضل في بروز هذه المدرسة إلى الطبيب النمساوي " سيجموند فرويد " عندما أصدر عدداً من الدراسات التي تبحث في اللاشعور أو ما يسمى بالعقل الباطن، ثم جاء بعده عدد من تلاميذه أبرزهم " إدلر " و " يونج ". وقد كان غرض هذه المدرسة الكشف عن طبيعة القوى اللاشعورية في النفس الإنسانية ([88]).

1 - فرويد:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير