تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قدم فرويد نظرية مهمة، وذائعة الصيت في تحليل الشخصية، فقد كان طبيباً نفسياً يعالج العصابيين ([89]) فأراد فهم سلوكياتهم، وتوجيهها وجهة صحيحة ([90]). فجعل " اللاشعور الشخصي " محور السلوك الإنساني وهو ((مجموعة العوامل النفسية والفسيولوجية غير المحسوسة التي توثر في السلوك البشري)) ([91])، ولا يمكن فهم اللاشعور الشخصي عند فرويد بمعزل عن حديثه عن قوى النفس الثلاث الهو، والأنا، والأنا الأعلى.

أما الهو فمعناه ((كل ما هو موروث، كل ما يظهر عند الميلاد، كل ما هو مثبت في الجبلّة)) ([92]).

وأما الأنا فالخصائص الرئيسة له أنه يسيطر على الحركة الإرادية، ويحفظ الذات ([93]).

وأما الأنا الأعلى فهو ((راسب من رواسب فترة الطفولة الطويلة التي يعيش فيها الإنسان الناشيء معتمداً على والديه تتكون في الأنا منظمة خاصة يمتد فيها تأثير الوالدين هذا)) ([94]).

إن كل ما يثبت في الجبلّة عند " فرويد " هو الطاقة الجنسية التي تبدأ من المرحلة الفمية عند الطفل ((فإلحاح الطفل في المص وتشبثه به في مرحلة مبكرة ينم بوضوح عن حاجة إلى الإشباع، على الرغم من أنها حاجة تنبعث عن تناول الغذاء وتتأثر به إلا أنها تسعى إلى الحصول على لذة مستقلة عن التغذية، وبالتالي يمكن ويجب أن توصف بأنها جنسية)) ([95])، وتتطور طاقة " اللّبيدو " مع الطفل إلى المرحلة السادية الشرجية والمرحلة القضيبية التي يتجلى فيها الشكل النهائي للحياة الجنسية ([96]). ويأتي دور الأنا أو الذات الواعية التي تحاول الموازنة بين الرغبات الخاصة، والواقع الخارجي بكل ما فيه من سلطة وقيم اجتماعية، والأنا الأعلى ((ينشأ من تلبس الطفل بشخصية والده وحينئذ تنشأ " عقدة أو ديب " كنتيجة طبيعية لحب الولد لأمه جنسياً، يحول وجود الأب دون تحقيقه، فيتكون في نفس الطفل نحو أبيه شعور مزدوج طرفاه الحب والكراهية في آن واحد. ثم يتخلص الطفل من هذا الصراع أما البنت فإنها تتخذ المقابل، وتتخلص من العقدة [عقدة أليكترا] بزيادة تلبسها بشخصية أمها وعند ذلك ينشأ الضمير. وتكون مهمته الكبت والقمع للشهوات الجنسية غير المرغوب فيها، وذلك لحماية الذات من عسف ذوي السلطان في الخارج الأب أو المجتمع أو الدين أو التقاليد)) ([97]).

وعلى هذا فغريزة الجنس هي عاصمة الغرائز، ينشأ الإنسان حاملاً في أعماقه هذه البذرة التي تصبح المحرك الرئيس لطاقاته في الحياة، ويغدو همه الوحيد في حياته هو إفراغ هذه الطاقة، إلا أن ذلك لا يتحقق على الوجه الأكمل حفاظاً على قيم المجتمع، وخوفاً من تعاليم السلطة، وهنا يأتي الحلم الذي تتحقق فيه الرغبة حين يخلد الأنا الأعلى في سباته العميق.

((وقد يكون الحلم صريحاً وواضحاً وربما لا يكون. وإذ ذاك تصبح لصور الحلم دلالة رمزية، فالصور التي تظهر في الحلم رموز الحقائق في اللاشعور: فالطائر ليس طائراً حقيقة بل رمزاً لشيء آخر قد يكون أما أو أباً، والطيران شبق جنسي، والسير إلى الشمال رغبة في الزنا بالمحارم)) ([98])

ـ[المستعار]ــــــــ[28 - 07 - 2002, 02:23 م]ـ

ومن هذا المنظور ذهب فرويد إلى تفسير الدين والأخلاق والفن فليست هذه الأشياء إلا تعويضاً عن الدوافع الغريزيّة لدى الإنسان فالدين ((يستقي أصوله من رغبتنا إلى الرعاية السماوية التي نتصورها في صورة الأب الحنون الذي يحل محل الأب الحقيقي لأن هذا لا يلبث أن يخيب آمالنا كلما شببنا عن الطوق، وبلغنا مبلغ الرجولة)) ([99]) والأخلاق ما هي ((إلا قواعد أوجدها الإنسان لتكون كالحاجز تصد غرائزه التي لو انطلقت من زمامها لجعلت النظام الاجتماعي أمراً مستحيلاً)) ([100]) أما الفن فقيمته ((إنما تنبثق من حاجة الإنسان إلى أن يبتدع أنواعاً من الوهم تقيه من النظر إلى الأشياء كما هي في حقيقتها مما لا يسهل على الإنسان أن يحتمله)) ([101]).

وهذا هو ما يسميه " فرويد " بالتسامي، فالأنا بوصفها المسيطر على الحركات الإرادية تتقبل الدافع الغريزي وتتسامى به وذلك بأن تحيله من صورته التي هو عليها أو من وضعه إلى وضع آخر ذي قيمة، وهو ما عبر عنه بقوله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير