تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

((إن المنبهات القوية الصادرة عن المصادر الجنسية المختلفة تنصرف وتستخدم في ميادين أخرى بحيث تؤدي الميول التي كانت خطرة في البداية إلى زيادة القدرات والنشاط النفسي زيادة ملحوظة. تلك إحدى مصادر الإنتاج الفني، وإن تحليل شخصية الأفراد ذوي المواهب الفنية ليدلنا على العلاقات المتغيرة القائمة بين الخلق الفني والانحراف والعصاب، بقدر ما كان التسامي كاملاً أم ناقصاً ... وإن الجانب الأكبر لما نسميه الطبع مركب من مادة المنبهات الجنسية ومؤلف من ميول ثبتت منذ الطفولة أو اكتسبت عن طريق التسامي أبنية الغاية منها كبت الاتجاهات المنحرفة التي استحال استخدامها)) ([102]).

وعلى هذا فالإبداع الفني إنما هو إعلاء لدافع غريزي أو جنسي على وجه التحديد.

وحين اتجه " فرويد " إلى التحليل النفسي للإبداع الفني نظر إليه في إطار من تشبيهه باللعب والتخيل والحلم وربط ذلك بالإنسان فالإنسان ((يلعب طفلاً، ويتخيل مراهقاً، ويحلم أحلام يقظة وأحلام نوم)) ([103]) والطفل حين يلعب، والمراهق عندما يتخيل، أو يحلم أحلام يقظة أو أحلام نوم فإنه يبني له عالمه الخاص به، والإبداع من حيث هو مشابه للحلم، لأنه هروب من سلطة الرقيب، تحت قناع مخادع هو الرمز الذي ينطوي على دلالتين ظاهرة وباطنة ([104]). ((وأغلب الرموز في الحلم رموز جنسية)) ([105]).

ومهمة المحلل النفسي أن يكشف دلالات هذه الرموز الجنسية التي يستحيل فيها الإبداع إلى استراتيجية من الدعارة المقنعة، والهوس الجنسي المراوغ؛ لأن ((كل قائم في صورة إنما يرمز إلى عضو الذكورة، وأن كل تجويف يعني أعضاء المرأة التناسلية، وأن العمود أو التمثال المنحوت لجسم إنسان منتصب لم يكن في الأصل غير رمز لعضو التناسل، وأن الجزء الداخلي من المبني يرمز إلى رحم المرأة)) ([106]).

واستوقفت فرويد سيكلوجية التلقي فرأى أن الفنان يقدم لمتلقيه بفنه رشوة، ينال من خلالها المتعة التي تغريه بالاندفاع نحو متعة أعمق حين يصبح حالماً مع الفنان ([107]).

والمبدع الحقيقي عند فرويد هو الذي يخلع على أحلامه الخاصة طابع الفن، ولا يكون ذلك إلا بطمس النزوع الذاتي، وإضفاء صفة الإنسانية من خلال التعالي على البواعث الخاصة للأحلام ([108]).

ويشعر المتلقي بلذة الإبداع حينما يشاهد نوازعه التي عجز عن تحقيقها تتحقق أمام عينيه، فيكون الفن بمثابة العزاء الذي ينتزعه من إحساسه بالحرمان من الوصول إلى غاياته التي يطمح إليها ([109]).

ويكاد ينحصر جهد " فرويد " في التحليل النفسي للإبداع من خلال ثلاثة أعمال هي:

1 - أعمال الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي.

2 - رواية الإخوة كرامازوف للروائي الروسي دستوفيسكي.

3 - قصة غراديفا لفلهم ينسن. قاص ألماني مجهول.

1 - الدراسة الأولى سماها ((ليوناردو دافنشي دراسة نفسية جنسية لذكريات طفولية)) ([110]). وفيها قام بتحليل شخصية دافنشي تحليلاً نفسياً متكئاً على ملاحظة وجدها في إحدى أوراق الرسام العظيم وهي رؤيا طفولية ((فقد روى أنه يذكر عندما كان في المهد أنه رأى نسراً ينزل عليه ويفتح له فمه ويضربه بذيله على شفتيه عدة مرات)) ([111])، وفي ضوء هذه الرؤيا فسر " فرويد " ذلك البطء الذي اشتهر به " دافنشي " وهو ينجز أعماله العظيمة، وتنقلاته الكثيرة وغموض ابتسامة " الجوكندا " ([112])، فكان عند دافنشي فيما يرى " فرويد " ((انحراف جنسي على مستوى اللاوعي تأثرت به حياته، وتأثر به فنه)) ([113]).

2 - ((دستوفسكي وجريمة قتل الأب)) ([114]) وقد اتخذ من رواية الإخوة كرامازوف مصدراً لهذه الدراسة التحليلية ((وقد وجد " فرويد " في شخصية هذا الكاتب الروائي فناناً وأخلاقياً وعصابياً وآثماً، وبقدر ما مجد " فرويد " الفنان في شخصية " دستوفسكي " ورآه جديراً بالخلود، قسا على الإنسان فيه، فهو عنده سجان من سجاني الإنسانية، وهو سادي يعذب نفسه، ويعذب الآخرين، ومجرم يتعاطف مع الآثمين)) ([115]).

3 - ((الإيهام والحلم في غراديفا لفلهم ينسن)) ([116]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير