حديث الفطرة، ونظرية التذكر.
الوقفة الرابعة: لا زلت أؤكد على أن ما ذكرته من تفسير لأنطولوجية اللغة، غير قطعي، ولكنه في نفس الوقت يرفل في ميدان الإمكان، لا الامتناع كما تزعم أنت. ويمكنني أن أجيب على تساؤلاتك المتعلقة بذلك القول، ولن أغمض جفني عنها، فأقول:
أما قولك: "فينبغي أن تكون اللغات الإنسانية جميعها لغة واحدة إذ الألفاظ مقترنة بالمعاني صنع الله "، فهو بناء غريب من مثلك، وفيه أمور، منها:
1. قولك: " الألفاظ مقترنة بالمعاني"، فهل هذا الاقتران طبعي أو اعتباطي، وهل اللفظ الواحد يحتمل مدلولا واحدا، أو أكثر من ذلك، وهل دلالته على تلك الصورة الذهنية حقيقية، وعلى الشيء الخارجي مجازية أو العكس، أو أن اللفظ من قبيل المشترك.
2. أن ما ذكرته أنا لا يلزم منه ما ذكرته أنت؛ فما ذكرته أنا خروج من القوة إلى الفعل، والقدرة على الإخراج من تمكين الله، صنع الله الذي أتقن كل شيء، والإنسان لا يجاوز ما قدر له، خلافا للمعتزلة.
وأما قولك: " فكيف يستطيع الإنسان أن يختار منها اللغة الخاصة به دون أن يخلط بين الكم الهائل " فأقول وهذا مما نحمد الله عليه أن وهبنا تلك القدرة وميزنا بالعقل على باقي الحيوان، "ويعلمكم الله"، وتأمل معي قوله تعالى: " الذي قدر فهدى"، لتعلم أن كل شيء بحول الله وقوته.
وأما قولك: " أن تطور اللغة لم يكن واردا لأن نسخة الأصل من اللغة محفوظة في داخل الجسم" فهو يدل على عدم إحاطتك لما ذكرتُ؛ فآمل منك أن تتأمل جيدا في قولي، فستجد أنه لا يرد عليه هذا الإيراد. فهذا الجهاز (الحاسوب) الذي أمامك يحتوي على كم هائل من المعلومات، فبعض المعلومات التي يتناولها ذهنك اليوم، قد تكون غير صحيحة أو غير واضحة، مع وجود ما هو أقوى منها داخل هذا الجهاز، وعندما تعيد البحث، لا حقا، تجد أنك ترقيت درجة وحصلت معرفة أخرى، وهكذا، القول فيما ذكرت، مع الفارق الكبير بين الأمرين من جهة الدقة بين الصنع الإلهي والبشري، وتلك الشفرات الوراثية والجينات البشرية تشتمل على عدد فلكي من المعلومات الدقيقة، تختلف فيما بينها بحسب التطور والترقي والتمايز وغير ذلك، فالإنسان القديم لم تنل قدرته منها إلا ما وقع له منها، وكل ذلك بقدرة الله وتمكينه لهذا المخلوق البشري، فلا حول له ولا قوة إلا به.
وأما قولك: "فإنه لن يكون قادرا على النطق بعد ذلك " فهو غريب جدا، بل سيكون قادرا على النطق، ولكن بلغته التي تخصه، والتي أقدره الله عليها، كما أقدر على ذلك آدم،
وأما قولك: "إن اللغة أخي الكريم محاكاة وتعلم واكتساب" فهو خارج محل النزاع، مع ما فيه من الجزم في محل النزاع بين المحدثين والقدماء في مسألة صلة اللفظ بالمعنى، مع أن مسألة فطرية العلاقة بين اللفظ والمعنى قد قال بها علماء كثيرون، كما لا يخفى عليك.
هذا ما أردت تسجيله هنا على عجلة من أمري، وآمل منك أخي أن تجيب عن تساؤلاتي السابقة، وخاصة:
1. موقفك من آيات الصفات التي ذهب علماء البلاغة إلى أنها من قبيل المجاز، مخالفين في ذلك منهج السلف.
2. تناقض السعد في تعريف الوضع، واختلافهم في المجاز هل هو موضوع أم ليس بموضوع.
3. في قولنا: " رأيت أسدا يجالد بسيفه"، هل لفظة (أسد) هنا موضوعة لحيوان مشخص باعتبار وجوده في الأعيان، أم لحقيقته الموجودة في الأذهان؟ وعلى قولك: إننا نرى ونسمع الوضع ونمارسه كل يوم، هل لفظة أسد موضوعة بوضع واحد أم لا.
4. هل المعتبر في الدلالة على المعنى أصلها أم الدلالة المعتبرة في الإفادة والاستفادة؟
ـ[داوود أبازيد]ــــــــ[29 - 05 - 2006, 05:27 م]ـ
الإخوة الكرام .. ألا ترون أنكم تناقشون طويلا في أمور ناقشها سلفنا الصالح طويلا جدا؟. أتريدون إعادة الخلاف جذعا؟. أنحن أهل لنناقش آيات الصفات؟. فلنؤمن بها من دون تشبيه أو تعطيل ولا حتى تفسير، ولندع تفسيرها لله ولنحسبها من المتشابه .. والاختلاف في تفسير المجاز أو تأويله لا ينفي وجوده، ومن ينف المجاز فقد أنكرمعظم القرآن .. ابتعدوا عن التطويل .. لا تخرجوا عن الموضوع .. آية واحدة تثبتون فيها المجاز أو تنفونه ببضعة أسطر خير من هذه المعلقات ..
أولم تنتبهوا إلى أن هذا الحوار قد بدأ منذ سنين؟.
ـ[أبو طارق]ــــــــ[29 - 05 - 2006, 09:03 م]ـ
بارك الله فيك أستاذ داوود. فتاريخ هذا الموضوع من سنتين على ما أظن , ولا أدري ما الذي فتحه ثانية. أرجو أن يقف الجميع هنا , حتى لا يتشعب الحوار ونقع في مالا نريد. حفظ الله الأساتذة وسدد خطاهم.
دمتم بخير.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[29 - 05 - 2006, 10:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أيها الإخوة الأعزاء ..
قد بان الغرضُ الذي رمى إليه كل واحد منا، وتقليبنا بالجدل لا يزيد الموضوع إلا إغلاقاً .. فالقصدُ معروفٌ، والوقوفُ عليه كافٍ ..
وكما تفضّل بعض الإخوة، فإنّ هذا الباب إنْ توزّع القول فيه طال .. فالخوض فيه قديم، وفصلُهُ في الحقّ شاقّ، والتنازع فيه قائم، والظنّ يعمل عمله، واليقين غير مظفور به، ولا موصولٍ إليه ..
ولا يخفى عليكم - أيها الأحبّة - أنّ الاستماع إلى فنون الأقوال ممّا يزيد الإنسان بصيرة وحكمة وتجربة ويقظة ومعرفة وعلماً .. ولكن الذي يسلك طريقاً لا يعرفه ولا يدري إلى أيّ موضع يؤدّيه، كالذي يسمع كلاماً لا يعرف الغرض فيه فلا يربح منه إلا التعب .. وقد قال بعض الحكماء: لا ينبغي لكَ أنْ تؤثرَ علمَ شيء إذا عُيّرتَ به غضبت، فإنّك إنْ فعلتَ هذا كنتَ أنتَ القاذف لنفسك ..
ونسأل الله السلامة للجميع ..
أساتذة الفصيح الأفاضل ..
موسى، جمال، سليم، قوس، عنقود الجواهر، داوود أبا زيد، أبا طارق ..
بارك الله فيكم جميعاً، ونفعنا بعلمكم ..
ولا تحرمونا لمساتكم الماتعة في مواضيع البلاغة بأقلامكم اليافعة ..
ودمتم معزّزين مكرّمين في الفصيح وللفصيح ..
¥