تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإن الجامع له بهذا المعنى لا يكون إلاَّ النبي الأكرم (ص) بما أنه نبي، وبعبارة أخرى لا طريق له إلاّ الوحي ولا يصح إسناده إلى غير الرسول (ص) بوجه، ويشير إلى ذلك الاجماع والنصوص المترادفة (2) على أن ترتيب الآيات توقيفي ولا شبهة في ذلك، وهنا يتبلور ويتضح الاعجاز القرآني، لأن القسط الأوفر من إعجاز القرآن يكمن في هذا النظم البديع وفي اسلوبه هذا التعبيري الرائع وفي تناسب وتناسق نغمي مرن، عجيب.

2 - القسم الثاني من الجمع بمعنى تحصيل القرآن بأجمعه من الأشياء المتفرقة المكتوب عليها، مرجعه إلى كون الجامع شخصاً واحداً لجميع القرآن من أوله إلى آخره، وهذا هو الجمع المتحقق في عصر النبي (ص) والمنسوب إلى غيره من الأشخاص المعدودين.

وربما يراد من الجمع بهذا المعنى جمع القرآن بجميع شؤونه من التأويل والتفسير وشأن النزول وغيره، وهو المراد من الجمع الذي تدل الروايات من الفريقين على اختصاصه بأمير المؤمنين علي (ع).

3 - القسم الثالث من الجمع بمعنى جمع المتفرقات وكتابتها في شيء واحد كالقرطاس والمصحف بناءً على مغايرته للقرطاس، وهذا هو الجمع المنسوب إلى الخليفة أبي بكر، وتدل بعض الروايات التاريخية على نسبته إلى الخليفة عمر بن الخطاب.

4 - والقسم الرابع هو بمعنى جمع المسلمين على قراءة واحدة من القراءات المختلفة التي نشأت من اختلاف ألسنة القبائل والأماكن، وهذا هو المراد من الجمع المنسوب إلى الخليفة عثمان.

وعلى هذا فقد بان واتضح من القسمين (الأول والثاني) من معنى الجمع بأن أصل الجمع قد تم في عهد الرسول (ص) وأنه هو الذي جمعه، إذ لا شك في أن ترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقرآن، الذي هو حجة على أمته والذي تقوم به دعوته، والفرائض التي جاء بها من عند ربه، وبه يصح دينه، إن تركه مفرّقاً، ولم يجمعه ولم ينصه ولم يحفظه ولم يحكم الأمر في قراءته، وما يجوز من الأختلاف وما لا يجوز، وتأليف سوره وآية - لهو خلاف الحكمة وخلاف التدبر الصائب (3).

والواقع التاريخي يؤيد هذا حيث كان للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كُتَّاب يكتبون الوحي، وقد نص المؤرخون على أسمائهم وقد أنهاهم البعض الى اثنين واربعين رجلاً (4).

وكانوا يكتبون ما يتلقونه من آيات القرآن على ما حضرهم من جلود وغيرها وكان رسول الله (ص) يعلمهم أسماء السور ومكان الآيات في السور كما علمه الله فكان يقول ضعوا هذه الآية في السورة التي فيها كذا وكذا. ولما أن لحق بالرفيق الاعلى كان في المدينة عشرات الصحابة ممن حفظ جميع القرآن، وأكثر منهم من كتب جميع القرآن.

وهذا لا يتعارض مع الأخبار التي تنسب الجمع إلى الشيخين أو تنسبه إلى زيد أو إلى الخليفة عثمان.

حيث قلنا: إن المراد من هذا الجمع هو الجمع بالمعنى الثالث (جمع المتفرقات وكتابتها في شئ واحد) كالقرطاس، أو المصحف وإن عمر هو الذي أشار على أبي بكر بجمع القرآن، وأبو بكر أمر زيداً بأن يتصدى لقضية الجمع (5) فيصح إسناد الجمع بهذا المعنى الثالث إلى كلّ من الشيخين أو الى زيد بن ثابت، حيث عرفنا أن أصل الجمع قد تم في زمن الرسول (ص)، وجمعه على شكل مصحف منتظم الأوراق فهو مما تم في عهد الشيخين على يد زيد ومجموعة من الصحابة.

أما الاخبار التي تدل على أن الجمع حصل في عهد الخليفة عثمان (6) فهي باعتبار توحيده للمصاحف أي الجمع بالمعنى الرابع الذي أشرنا إليه.

والسبب في توحيد المصاحف هو كثرة الأختلافات في القراءات في عهد الخليفة عثمان، وتعطي الروايات صوراً مختلفة لذلك الخلاف في القراءة وعلى مستويات متعددة وقد تكاثرت أخبارها على مسامع الخليفة وكبار الصحابة نتيجة لاتساع رقعة الاسلام بالفتوحات الاسلامية وانتشار المسلمين وغيرها من الاسباب والتي لسنا بصدد ذكرها هنا ... لذلك لجأ الخليفة والصحابة معه الى توحيد المصاحف وارسالها الى الامصار (الكوفة، البصرة، الشام، مكة .... ) وهي التي عليها مصحفنا اليوم (في العصر الحاضر) من حيث الترتيب مع اختلاف في الكتابة التي تطورت في الفترات اللاحقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير