فوجه الشبه إما أن يكون قريباً مبتذلاً وهو الذي ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به دون حاجة إلى إعمال فكر وتدقيق نظر , ويرجع ذلك إلى وضوح الشبه وظهوره كتشبيه الوجه الحسن بالبدر ,والرجل الشجاع بالأسد فإن الذهن لايجد صعوبة في إدراك هذا الحسن وتلك الشجاعة.·
//العوامل الموجبة لابتذال التشبيه:
يعد التشبيه قريباً مبتذلاً إذا اتصف وجه الشبه بصفة أو أكثر من الصفات التالية:
1 - كونه أمراً مجملاً لاتفصيل فيه كتشبيه الخد بالورد في الحمرة.
2 - أن يشتمل وجه الشبه على قليل من التفصيل ويكون المشبه به من الأمور التي تتكرر على الحس مثل تشبيه السيوف بالبرق في الإشراق واللمعان وتشبيه العيون بالنرجس في اجتماع البياض والسواد.
3 - أن يشتمل وجه الشبه على قليل من التفصيل , ويكون المشبه به قريب الحضور في الذهن عند حضور المشبه لالتكرره على الحس ولكن لقرب المناسبة بين الطرفين وتقاربهما في الجنس فالمعاني تتداعى دائماً في الذهن إذا قربت المناسبة بينها كتشبيه جرة الماء الصغيرة بالكوز , وتشبيه برج القاهرة بمنارة القلعة.·
//التشبيه البعيد الغريب:
مالاينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر وإطالة نظر لخفاء وجهه في بادئ الأمر ودقته , وسبب خفائه أمران:
1 - كونه كثير التفصيل كقول الشاعر:
والشمس كالمرآة في كف الأشلّ .. لما رأيتُها بدَتْ فوقَ الجبل
وجه الشبه: الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة ومايحصل من الإشراق بسبب التموج والاضطراب حتى يرى الشعاع كأنه يهمُّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع من الانبساط الذي بدا له إلى الانقباض كأنه يجتمع من الجوانب إلى الوسط فإن الشمس إذا أحدّ الإنسان النظرإليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية لهذه الهيئة , وكذا المرآة إذا كانت في يد الأشل (المرتعش اليد)؛لأن المرآة تؤدي هذه الحركة في كفه .. فوجه الشبه لايقوم في نفس الرائي للمرآة دائمة الاضطراب إلا أن يستأنف تأملاً ويكون في نظره متمهلاً.
2 - ندور حضور المشبه به في الذهن
أ. إما عند حضور المشبه لبعد المناسبة بينهما مثل قول الشاعر:
ولازِوَرْدِيَةٍ تزهو بِزُرْقَتِها .. بين الرياض على حُمْرِ اليواقيتِ
كأنها فوق هاماتٍ ضعفنَ بها .. أوائلُ النارِ في أطرافِ كبريتِ
الازوردية .. البنفسج وهي نسبة تشبيهية إلى حجر يسمى (الازورد) وإنما جعل التشبيه بأوائل النار في أطراف الكبريت لأنها في أعلاها تكون حمراء صافية لازرقاء فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت لايندر حضورها في الذهن وإنما النادر
حضورها عند حضور صورة البنفسج فإذا أُحضر مع صحة الشبه استظرف ليشاهد في عناق بين صورتين لاتتراءى نارهما.
ب. وإما مطلقاً لكونه وهمياً أو مركباً خيالياً .. أو مركباً عقلياً كقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مُضاجعي .. ومسنونةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغوالِ
وكذلك تشبيه أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا يندر حضور المشبه في الذهن مطلقاً.
*وسائل التصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريباً:
1 - أن يثبت للمشبه صفة لايتأتى وصفه بها ثم ينتزعها منه ويبني على انتزاعها تفصيل المشبه والمشبه به.
من ذلك قول أبي الطيب:
لم تلْقَ هذا الوجهُ شمسُ نهارِنا .. إلا بوجهٍ ليسَ فيهِ حياء
تشبيه الوجه بالشمس تشبيه قريب مبتذل ولكن أبا الطيب تصرف فيه بجعله (الحياء) صفة من صفات الشمس ثم انتزعها منه وجعل الشمس تفقد حياءها بجرأتها على الظهور أمام الممدوح وهذا التصرف أكسب التشبيه غرابة وأزال عنه صفة الابتذال والقرب.
وقد يثبت الأديب الصفة ولاينتزعها كقول أبي نواس:
إنّ السحابَ لتستحيي إذا نظرت .. إلى نداكَ فقاستهُ بما فيها
2 - أن يضيف إلى التشبيه مايفيد تساوي الطرفين في وجه الشبه بحيث لانستطيع أن نحدد أيهما مشبه ومشبه به.
من ذلك قول أبي تمام:
فردت علينا الشمسَ والليلُ راغمٌ .. بشمسٍ لهم من جانب الخدر تطْلَعُ
فوالله ماأدري أأحلام نائم .. ألمتْ بنا أم كان في الركبِ يُوشعُ
تشبيه الحبيبة بالشمس مبتذل لكن أبا تمام صيره بعيداً بما أضافه عليه من تساؤلات تساوي بين الطرفين مبالغة في إضاءة وجه الحبيبة الذي ظهرت به في جانب الخدر فبددت جوانب الليل وبدت جوانب الأفق مضيئة ساطعة , وعندئذ تعجب وتساءل في حيرة:
¥