والذي يزيد ترسيخ هذا المعنى لدي هو ما أجده في سورة التكاثر: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن عن النعيم). فهذه الآية الكريمة تصور الإنسان وهو منشغل باللهو حتى تبدأ معه أول درجات المعرفة (الشك)، فيذهب للمقابر ويبدأ معه التخمين (كيف يكون من هو بالقبر؟ ما صورته؟ ما حاله ... ؟) وهذه هي مرحلة الظن، حتى يتذكر سورة التكاثر وما بها من أهوال فيصبح في مرحلة العلم ولكنه لم يصل لليقين بعد حتى يرى الجحيم بعينه وهذا بنص الآية نفسها.
الخلاصة:
1 - درجات المعرفة تبدأ بالشك ثم الظن ثم العلم فاليقين.
2 - أرى أن الظن لايأتي –كما قالت معلمتي-مع ما هو غير مشاهد (غائب) فقط- ولكنه يأتي أيضاً مع المشاهد، فإذا ما سألت من ينظر أمامك للنجم "هل هذا النجم هو موجود الآن وأنت تراه؟ " فإن أجاب بنعم أو لا فقط أخطأ بالحالتين والواجب أن يقول "أظن ذلك" لأننا (نعلم) أن صورة النجم تصلنا بعد ملايين السنوات وبالتالي فنحن ننظر لصورته بالماضي ولا نعلم (الآن) إذا ما كان موجود أم لا.
3 - أرى أن الظن درجة من درجات المعرفة وليس مرادفاً للعلم أو اليقين –كما أنه ليس من باب الأضداد أيضاً. عليه فأن قول كتب التراث (لسان العرب- العين .... ) بأن الظن يأتي مرادف للشك واليقين أراه خطأ. (مع المعذرة لمعلمتي فالظاهر لدي أن كتب التراث غير دقيقة! " و نجعة الرائد يكسب الرهان").
4 - أرى أن كلمة "الظن" تأتي بالقرآن الكريم بمعنى العلم إذا أيّد عقل من يظن هذا الظن. أما أن يأتي الظن دوماً بالقرآن الكريم بمعنى علموا فهذا غير صحيح. قال تعالى:" وظن أهلها أنهم قادرون" (يونس 24) وقال تعالى: "ولكن ظننتم أن الله لا يعلم" (فصلت 22)، فأين العلم في ظنهم هذا؟!. ((هذا مجرد استفسار وتعقيب على ما أورده أخي العزيز (أبو سارة) عندما أورد: "وحدثني المثنى حدثنا أبو داود الجبري عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كل ظن في القرآن فهو علم
وهذا سند صحيح")).
عليه فأنا أرى إن تفسيرنا لكلمة "يظنون" بـ "يوقنون" في قوله تعالى"يظنون أنهم مُلاقوا ربهم" (البقرة 46) هو تفسير خاطئ والواجب أن نقول كما قال الخوارزمي في الكشاف في تفسيره لقوله تعالى "وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه" (التوبة 118) بأن ظنوا أي يعلموا (وليس يوقنوا) لأنهم ظنوا -وعقولهم قبلت هذا الظن- فهم علموا فقط ولم يشاهدوا ليصبح يقين. وأرى هذا التفسير للظن يريحني أكثر -إذا ما قبلوا به المفسرون - فهو يزيل الغموض عن من هو الظان في قوله تعالى: "وقال للذي ظن أنه ناج منهما" (يوسف 42) هل هو ألشرابي أم يوسف عليه السلام، فإن كتب التفسير تقبل بالاحتمالين!! وهذا يخالف قوله تعالى " ذلك الكتاب لا ريب فيه" (البقرة 2) فإن نبي الله يوسف عليه السلام أولّ الرؤيا (بعلم اليقين) من ربه سبحانه وتعالى وليس بالظن، عليه فإن الاحتمال الثاني- وهو أن الظان هو ألشرابي- هو الصحيح عندي والله أعلم.
بوحمد
رسالة خاصة لأخي الحبيب (أبو سارة):
لم تُبق لي من حروف معبرة بعد عبير حروفك ...
سوى صدى عطرك الذائع: "ما أكرم أخلاقك"
فجزى الله من يظن بأخيه بمثل ظنه.
[/ poet]
يُحسن به ظنّهُ بالناسِ كُلّهمِ=من يُحسنُ الظن يكسو حُسنهُ حُسنُ
ونائلٌ منهُمُ في نولهمْ سَلَفاً= حَسْبُ امرءٍ كرماً أن نولَهُ ظَنُّ
وجزاكم الله جميعاً كل الخير
بوحمد
ـ[أبو سارة]ــــــــ[06 - 09 - 2003, 03:08 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ العزيز/ أبو حمد
جزاك الله خيرا، وما هذا إلا من نبل أخلاقك، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى0
وهذه عودة الى موضوعك الشيق، فجزاك الله خيرا، فمثل هذه المواضيع تجعلنا نعود بالذاكرة الى الوراء ونقلب صفحات الكتب، ويالها من فائدة عظيمة نقاوم بها الكسل ونقض بها مضجع الدعة، فجزاك الله خير الجزاء0
قال الجرجاني في التعريفات:
الظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ويستعمل في اليقين والشك وقيل الظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان0
اليقين: في اللغة العلم الذي لاشك معه وفي الاصطلاح اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لايمكن إلا كذا0
¥