عليه الغسل جعل عليه التّيمّم، وما كان عليه المسح أسقط].
وفي قول الإمام الشافعي رحمه الله: "ولما قال رسول الله (ويل للأعقاب من النار) دلَّ على أنه غسل لا مسح" دليل على تكافئ الوجهين إن لم يكن المسح أرجح
وقوله:
وقال الله: " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (6) " المائدة
فقصد - جل ثناؤه - قصْدَ القدمين بالغسل كما قصد الوجه واليدين فكان ظاهر هذه الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل أو الرأس من المسح وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعضُ المتوضئين دون بعض فلما مسح رسول الله على الخفين وأمر به من أدخل رجليه في الخفين وهو كامل الطهارة دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أومسحهما بعضُ المتوضئين دون بعض
‹•› والثالث أنه معطوف على "برءوسكم" على أن المسح قصد به الغسل
قال الأنباري في الإنصاف وهو يرد على من زعم الجوار في آية الوضوء:
وإنما هو معطوف على قوله (برءوسكم) على أن المراد بالمسح في الأرجل الغسل، وقال أبو زيد الأنصاري: المسح خفيف الغسل، وكان أبو زيد الأنصاري من الثقات الأثبات في نقل اللغة، وهو من مشايخ سيبويه، وكان سيبويه إذا قال "سمعت الثقة" يريد أبا زيد الأنصاريّ.
والذي يدل على ذلك قولهم "تَمَسَّحت للصلاة" أي توضأت، والوضوء يشتمل على ممسوح ومغسول، والسر في ذلك أن المتوضئ لا يقنع بصب الماء على الأعضاء حتى يمسحها مع الغسل؛ فلذلك سمي الغسل مسحا، فالرأس والرجل ممسوحان، إلا أن المسح في الرجل المراد به الغسل لبيان السنة، ولولا ذلك لكان محتملا، والذي يدل على أن المراد به الغسل ورود التحديد في قوله (إلى الكعبين) والتحديد إنما جاء في المغسول لا في الممسوح،
ونقل ابن هشام في مغني اللبيب 895 قول الزمخشري: "لما كانت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها كانت مظنة الإسراف المذموم شرعا فعطفت على الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها وقيل (إلى الكعبين) فجيء بالغاية إماطة لظن من يظن أنها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة"
‹•› والرابع أن يكونَ جَرّ الأرجل بجارٍّ محذوف، تقديره: افْعَلُوا بأرجلكم غَسْلاً، قاله العكبري في تبيانه
‹•› والخامس أن العطف في "وأرجلِكم" على "برءوسكم" في الظاهر، لا في المعنى،
قاله الأنباري في الإنصاف:
وقال: وقد يعطف الشيء على الشيء والمعنى فيهما مختلف، قال الشاعر:
إِذَا مَا الغَانِيَات بَرَزْنَ يَوْمًا * وَ"زَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالعيونَا"
فعطف العيون على الحواجب وإن كانت العيون لا تزجج، وقال الآخر:
تَرَاه كَأَنَّ الله يَجْدَع "أَنْفَه * وَعَيْنَيْهِ" إِنَّ مَوْلاَه ثَاب لَه وَفَر
فعطف عينيه على أنفه، وإن كانت العينان لا توصفان بالجدع؛ وقال لييد:
فعلا فروع الأَيْهقَانِ وَأَطْفَلَتْ * بِالجَلْهَتَيْنِ "ظِبَاؤهَا وَنَعَامهَا"
فعطف نعامها على ظباؤها، والنعام لا تطفل، وإنما تبيض؛ وقال الآخر:
يَا لَيْتَ بَعْلَكَ فِي الوَغَى * متَقَلِّدًا "سَيْفًا وَرمْحًا"
فعطف "رمحا" على "سيفا" وإن كان الرمح لا يتقلد، وقال الآخر:
عَلَّفْتهَا "تِبْنًا وَمَاءً" بَارِدًا * حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
فعطف ماء على تبنا، وإن كان الماء لا يعلف، وقال الآخر:
* شَرابُ "أَلْبَانٍ وَتَمْرٍ" وَأَقطْ *
فعطف تمرا على ألبان، وإن كان التمر لا يشرب، فكذلك عطف الأرجل على الرءوس وإن كانت لا تمسح
توجيه النصب في قول الله عز وجل: "وأرجلَكم"
وفيه قولين:
‹•› الأول أنه معطوف على الوجه واليدين، قاله العكبري في التبيان وقال: أي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وذلك جائز في العربية بلا خلاف
قال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله:
والقرآن نزل بلغة العرب، وأصحابُه رءوسهم وعلماؤهم لغةً وشرعًا. وقد اختلفوا في ذلك؛ فدلّ على أنّ المسألة محتملةٌ لغةً محتملةٌ شرعًا، لكن تعضّد حالة النّصب على حالة الخفض بأنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - غسل وما مسح قطّ، وبأنّه رأى قومًا تلوح أعقابهم، فقال: " ويلٌ للأعقاب من النّار"، و "ويلٌ للعراقيب من النّار". فتوعّد بالنّار على ترك إيعاب غسل الرّجلين؛ فدلّ ذلك على الوجوب بلا خلافٍ، وتبيّن أنّ من قال إنّ الرّجلين ممسوحتان لم يعلم بوعيد النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - على ترك إيعابهما. وطريق النّظر البديع أنّ القراءتين محتملتان، وأنّ اللّغة تقضي بأنّهما جائزتان، فردّهما الصّحابة إلى الرّأس مسحًا، فلمّا قطع بنا حديث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - ووقف في وجوهنا وعيده، قلنا: جاءت السّنّة قاضيةً بأنّ النّصب يوجب العطف على الوجه واليدين، ودخل بينهما مسح الرّأس، وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهما؛ لأنّه مفعولٌ قبل الرّجلين لا بعدهما، فذكر لبيان التّرتيب لا ليشتركا في صفة التّطهير،
‹•› الثاني: أنه معطوف على موضع "برءوسكم" والذي محله النصب
قال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله:
فإن قيل: أنتم وإن قرأتموها بالنّصب فهي عطفٌ على الرّءوس موضعًا، فإنّ الرّءوس وإن كانت مجرورةً لفظًا فهي منصوبةٌ معنًى؛ لأنّها مفعولةٌ، فكيف قرأتها خفضًا أو نصبًا فوظيفتها المسح مثل الّذي عطف عليه. قلنا: يعارضه أنّا وإن قرأناها خفضًا، وظهر أنّها معطوفةٌ على الرّءوس فقد يعطف الشّيء على الشّيء بفعلٍ ينفرد به أحدهما، كقوله: [علفتها تبنًا وماءً باردًا] ...
قلنا: وها هنا عطف الرّجلين على الرّءوس وشركهما في فعلهما، وإن لم يكن به مفعوله، تعويلًا على بيان المُبَلِّغ، فقد بلَّغ، وقد بيّنّا أيضًا أنّها تكون ممسوحةً تحت الخفّين، وذلك ظاهرٌ في البيان
والله أعلم
¥