وليست أستغفر الله ذنباً وأمرتك الخير أكثر في كلامهم جميعاً، وإنما يتكلم بها بعضهم. فأما سميت وكنيت فإنما دخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت، تقول عرفته زيداً ثم تقول عرفته بزيد، فهو سوى ذلك المعنى، فإنما تدخل في سميت وكنيت على حد ما دخلت في عرفته بزيد. فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال أن توصل بحرف الإضافة.
وليس كل الفعل يفعل به ذها، كما أنه ليس كل فعل يتعدى الفاعل ولا يتعدى إلى مفعولين. ومنه قول الفرزدق: منا الذي اختير الرجال سماحةً وجوداً إذا هب الرياح الزعازع
وقال الفرزدق أيضاً: نبئت عبد الله بالجو أصبحت كراماً مواليها لئيماً صميمها
ـ[المكي]ــــــــ[19 - 01 - 2006, 12:43 م]ـ
(10) الفاعل
الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر
على أحد المفعولين دون الآخر
وذلك قولك: حسب عبد الله زيداً بكراً، وظن عمرو وخالداً أباك، وخال عبد الله زيداً أخاك. ومثل ذلك: رأى عبد الله زيداً صاحبنا، ووجد عبد الله زيداً ذا الحفاظ.
وإنما منعك أن تقتصر على أحد المفعولين ههنا أنك إنما أردت أن تبين ما استقر عندك من حال المفعول الأول، يقيناً كان أو شكاً، وذكرت الأول لتعلم الذي تضيف إليه ما استقر له عندك من هو. فإنما ذكرت ظننت ونحوه لتجعل خبر المفعول الأول يقيناً أو شكاً، ولم ترد أن تجعل الأول فيه الشك أو تقيم عليه في اليقين.
ومثل ذلك: علمت زيداً الظريف، وزعم عبد الله زيداً أخاك.
وإن قلت رأيت فأردت رؤية العين، أو وجدت فأردت وجدان الضالة، فهو بمنزلة ضربت ولكنك إنما تريد بوجدت علمت، وبرأيت ذلك أيضاً. ألا ترى أنه يجوز للأعمى أن يقول: رأيت زيداً الصالح.
وقد يكون علمت بمنزلة عرفت لا تريد إلا علم الأول. فمن ذلك قوله تعالى: "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت "، وقال سبحانه: "وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " فهي ههنا بمنزلة عرفت كما كانت رأيت على وجهين.
وأما ظننت ذاك فإنما جاز السكوت عليه لأنك قد تقول ظننت، فتقصر، كما تقول ذهبت، ثم تعمله في الظن كما تعمل ذهبت في الذهاب. فذاك ههنا هو الظن، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن. وكذلك خلت وحسبت.
ويدلك على أنه الظن أنك لو قلت خلت زيداً وأرى زيداً لم يجز.
وتقول: ظننت به، جعلته موضع ظنك كما قلت نزلت به ونزلت عليه. ولو كانت الباء زائدة بمنزلتها في قوله عز وجل: "كفى بالله" لم يجز السكت عليها، فكأنك قلت: ظننت في الدار. ومثله شككت فيه.
ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:12 م]ـ
(11)
هذا باب
الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين
ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة، لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب الأول الذي قبله في المعنى.
وذلك قولك: أرى الله بشراً زيداً أباك، ونبأت زيداً عمراً أبا فلان، وأعلم الله زيداً عمراً خيراً منك.
واعلم أن هذه الأفعال إذا انتهت إلى ما ذكرت لك من المفعولين فلم يكن بعد ذلك متعدي، تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى الفاعل، وذلك قولك: أعطى عبد الله زيداً المال إعطاء حميلاً، وسرقت عبد الله الثوب الليلة، لا تجعله ظرفاً، ولكن كما تقول: يا سارق الليلة زيداً الثوب، لم تجعلها ظرفاً.
وتقول: أعملت هذا زيداً قائماً العلم اليقين إعلاماً، وأدخل الله عمراً المدخل الكريم إدخالاً؛ لأنها لما انتهت صارت بمنزلة ما لا يتعدى.
ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:13 م]ـ
(12) هذا باب المفعول الذي تعداه فعله إلى مفعول
وذلك قولك: كسى عبد الله الثوب، وأعطى عبد الله المال. رفعت عبد الله ههنا كما رفعته في ضرب حين قلت ضرب عبد الله، وشغلت به كسى وأعطى كما شغلت به ضرب. وانتصب الثوب والمال لأنهما مفعولان تعدى إليهما مفعول هو بمنزلة الفاعل.
وإن شئت قدمت وأخرت فقلت كسى الثوب زيد، وأعطى المال عبد الله كما قلت ضرب زيداً عبد الله. فأمره في هذا كأمر الفاعل.
واعلم أن المفعول الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول، يتعدى إلى كل شيء تعدى إليه فعل الفاعل الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول، وذلك قولك: ضرب زيد الضرب الشديد، وضرب عبد الله اليومين اللذين تعلم، لا تجعله ظرفاً، ولكن كما تقول: يا مضروب الليلة الضرب الشديد، وأقعد عبد الله المقعد الكريم.
فجميع ما تعدى إليه فعل الفاعل الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول يتعدى إليه فعل المفعول الذي لا يتعداه فعله.
واعلم أن المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل في التعدي والاقتصار بمنزلة إذا تعدى إليه فعل الفاعل؛ لأن معناه متعدياً إليه فعل الفاعل وغير متعد إليه فعله سواء. ألا ترى أنك تقول ضربت زيداً، فلا تجاوز هذا المفعول، وتقول ضرب زيد فلا يتعداه فعله، لأن المعنى واحد.
وتقول: كسوت زيداً ثوباً فتجاوز إلى مفعول آخر، وتقول: كسى زيد ثوباً، فلا تجاوز الثوب، لأن الأول بمنزلة المنصوب، لأن المعنى واحد وإن كان لفظه لفظ الفاعل.
¥