وقال أبو الأسود الدؤلي: أميران كانا آخياني كلاهما فكلاً جزاه الله عني بما فعل
ويجوز فيه من الرفع ما جاز في الأمر والنهي، ويقبح فيه ما يقبح في الأمر والنهي.
وتقول: أما زيداً فجدعاً له، وأما عمراً فسقياً له؛ لأنك لو أظهرت الذي انتصب عليه سقياً وجدعاً لنصبت زيداً وعمراً، فإضماره بمنزلة إظهاره، كما تقول: أما زيداً فضرباً.
وتقول: أما زيد فسلام عليه، وأما الكافر فلعنة الله عليه؛ لأن هذا ارتفع بالابتداء.
وأما قوله عز وجل: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ". وقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "، فإن هذا لم يبن على الفعل، ولكنه جاء على مثل قوله تعالى: "مثل الجنة التي وعد المتقون ". ثم قال بعد: "فيها أنهار من ماء"، فيها كذا وكذا. فغنما وضع المثل للحديث الذي بعده، فذكر أخباراً وأحاديث، فكأنه قال: ومن القصص مثل الجنة، أو مما يقص عليهكم مثل الجنة، فهو محمول على هذا الإضمار "ونحوه". والله تعالى أعلم.
وكذلك "الزانية والزاني"، "كأنه" لما قال جل ثناؤه: "سورة أنزلناها فرضناها ". قال: في الفرائض الزانية والزاني، "أو الزانية والزاني في الفرائض". ثم قال: فاجلدوا، فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع، كما قال: وقائلة: خولان، فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر. وكذلك: "والسارق والسارقة" "كأنه قال: و" فيما فرض عليكم "السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم". فإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث. ويحمل على نحو من هذا "ومثل ذلك": "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ".
وقد يجري هذا في زيد وعمرو على هذا الحد، إذا كنت تخبر "بأشياء" أو توصي. ثم تقول: زيد، فيمن أوصي به فاحسن إليه وأكرمه.
وقد قرأ أناس: "والسارق والسارقة " و "الزانية والزاني "، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة. ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع.
وإنما كان الوجه في الأمر والنهي النصب لأن حد الكلام تقديم الفعل، وهو فيه أوجب، إذ كان ذلك يكون في ألف الاستفهام، لأنهما لا يكونان إلا بفعل.
ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 01:21 ص]ـ
وقبح تقديم الاسم في سائر الحروف، لأنها حروف تحدث قبل الفعل. وقد يصير معنى حديثهن إلى الجزاء، والجزاء لا يكون إلا خبراً، وقد يكون فيهن الجزاء في الخبر، وهي غير واجبة كحروف الجزاء فأجريت مجراها. والأمر ليس يحدث له حرف سوى الفعل، فيضارع حروف الجزاء، فيقبح حذف الفعل منه كما يقبح حذف الفعل بعد حروف الجزاء. وإنما يقبح حذف الفعل وإضماره بعد حروف الاستفهام لمضارعتها حروف الجزاء.
وإنما قلت: زيداً اضربه، واضربه مشغولة بالهاء، لأن الأمر والنهي لا يكونان إلا بالفعل، فلا يستغنى عن الإضمار إن لم يظهر.
باب حروف أجريت مجرى حروف الاستفهام و حروف الأمر والنهي وهي حروف النفي، شبهوها بحروف الاستفهام حيث قدم الاسم قبل الفعل، لأنهن غير واجبات، كما أن الألف وحروف الجزاء غير واجبة، وكما أن الأمر والنهي غير واجبين.
وسهل تقديم الأسماء فيها لأنها نفي لواجب، وليست كحروف الاستفهام والجزاء، وإنما هي مضارعة، وإنما تجيء لخلاف قوله: قد كان.
وذلك قولك: ما زيداً ضربته ولا زيداً قتلته، وما عمراً لقيت أباه ولا عمراً مررت به ولا بشراً اشتريت له ثوباً. وكذلك إذا قلت: ما زيداً أنا ضاربه، إذا لم تجعله اسماً معروفاً. قال هدبة بن الخشرم العذري: فلا ذا جلال هبنه لجلاله ولا ذاع ضياع هن يتركن للفقر
وقال زهير: لا الدار غيرها بعدي الأنيس ولا بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم
وقال جرير: فلا حسباً فخرت به لتيم ولا جداً إذا ازدحم الجدود
وإن شئت رفعت، والرفع فيه أقوى إذ كان يكون في ألف الاستفهام، لأنهن نفي واجب يبتدأ بعدهن ويبنى على المبتدأ بعدهن، ولم يبلغن أن يكن مثل ما شبهن به.
فإن جعلت "ما" بمنزلة ليس في لغة أهل الحجاز لم يكن إلا الرفع، لأنك تجيء بالفعل بعد أن يعمل فيه ما هو بمنزلة فعل يرفع، كأنك قلت: ليس زيد ضربته.
وقد أنشد بعضهم هذا البيت رفعاً، "قول مزاحم العقيلي": وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من وافي منى أنا عارف
فإن شئت حملته على ليس، وإن شئت حملته على "كله لم أصنع ". فهذا أبعد الوجهين.
¥