قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم)، حيث ظهر لي، بادي الرأي، أن: (مكانكم)، ظرف مكان منصوب، وعليه لابد من تقدير محذوف، وليكن: قفوا مكانكم، وعليه يكون الضمير: (أنتم)، في محل رفع على الإبدال من واو الجماعة في المقدر المحذوف: (قفوا)، والواو، حرف عطف، و: (شركاؤكم): معطوف مرفوع يأخذ حكم المعطوف عليه، فهل هذا التوجيه سائغ، وجزاكم الله خيرا.
ولكن الذي بدا لي غير ما بدا لك!
فـ: مكانكم، اسم فعل أمر، بمعنى الزموا .. ولك أن تتم الإعراب. و قوله تعالى: أنتم وشركاؤكم. جملة ابتدائية من مبتدإ وخبر ولا مسوغ للبدلية كما ذكرت .. والله تعالى أعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 02 - 2006, 05:32 ص]ـ
وبوركت عبير نور اليقين، فلبلادكم الجزائر الحبيبة، مكانة وأي مكانة في قلب كل موحد، ومن شاء فليطالع تاريخ المغرب الحبيب، ولينظر في سيرة الأمير الشهير المعز بن باديس، رحمه الله، الذي أزال الله على يديه ملك بني عبيد، قبحهم الله، من المغرب الأوسط، وفيه يقول الشاعر:
يا معز الدولة عش في رفعة ******* وسرور واعتباط وجذل
أنت أرضيت النبي المصطفى ******* وعتيت في الملاعين السفل
وجعلت القتل فيهم سنة ******* بأقاصي الأرض في كل الدول
وبعده بقرون، جاء ابن باديس، آخر، لا يقل جلالة وفضلا، عن الأول، ذلكم هو الشيخ المجدد عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، صاحب الصرخة الشهيرة، في وجه الاحتلال الفرنسي، (الإسلام ديننا والعربية لغتنا)
وممن يحضرني من أعلام الجزائر الحبيب أيضا، المؤرخ الشهير: المقري، رحمه الله، نسبة إلى مقرة، وهي تقع بالقرب من قسطنطينة، المدينة الجزائرية الشهيرة، وهو صاحب الموسوعة الشهيرة في تاريخ الأندلس المفقود، "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، وحق لأمة أنجبت مثل أولئك الأفذاذ أن ترفع رأسها عاليا بين الأمم، سلامي لكل إخواني أبناء الجزائر العربي المسلم الحبيب.
وكما سبق فإن الأولى: المصير إلى عدم القول بتقدير المحذوف متى صح السياق بدونه، لأن الأصل عدم الحذف ولا يلجأ إلى تقدير المحذوف إلا مع تعذر استقامة السياق بدونه، ومن ذلك قوله تعالى
: (فأقم وجهك للدين حنيفا)، ثم قال تعالى: (منيبين إليه واتقوه)، فهو حال من الضمير المستتر في: (فأقم) وهو خاص به صلى الله عليه وسلم، وتقديره: "فأقم وجهك للدين يا نبي الله في حال كونكم منيبين"، فالسياق قد يبدو للوهلة الأولى غير مستقيم، لأن الحال غير مطابقة لصاحبها، وقد أجمع أهل اللسان العربي على أن الحال الحقيقية، أي التي لم تكن سببية لابد من مطابقتها لصاحبها إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، فلا يجوز: جاء زيد ضاحكين إجماعا، وعليه قدر البعض محذوفا مناسبا يستقيم معه السياق، فقالوا بأن: العامل في الحال: الزموا مقدرا وصاحبها الواو في "الزموا"، أي الزموا فطرة الله في حال كونكم منيبين.
ولكن الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، لم يرتض هذا التقدير، لعدم الحاجة إليه، فسياق الكلام يمكن أن يستقيم دونه، والقاعدة، كما سبق، أن عدم التقدير هو الأصل فلا يصار إلى غيره إلا مع التعذر، ووجه استقامة النص بدونه، أن يقال: بأن الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم، خطاب لأمته، من وراءه، ولذا أتى بالحال جمعا، رغم أن المخاطب، فرد واحد، لأن الخطاب في حقيقته يتوجه إلى جماعة، والحال الجمع لا إشكال في كون صاحبها جمعا، فضلا عن أن تقدير: (الزموا فطرة الله ....... )، تقدير لا دليل عليه، والله أعلم.
وهذه المسألة من المسائل الأصولية التي اعتنى بها العلماء، وهي: مسألة الخطاب الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم، هل هو خاص به، أم عام يشمل أمته؟، وخلاصتها:
أن ما دل الدليل على اختصاصه به صلى الله عليه وسلم لا يشمل حكمه أمته بالإجماع، كقوله تعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي)، ثم جاء بعده قوله تعالى: (خالصة لك من دون المؤمنين)، فدل ذلك على أن هذا الحكم خاص به صلى الله عليه وسلم دون من سواه.
وما دل الدليل على عموم حكمه، فإنه يعم بلا إشكال، وسائر خطابات التكليف من هذا النوع، وإن وجه الخطاب فيها إليه صلى الله عليه وسلم ابتداء، فأمته تبع له فيها بقرينة عموم التشريع، ومن ذلك قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة)، فالخطاب موجه ابتداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه من بعده تبع له فيه، فيجب عليهم أخذ الزكاة وإرسال السعاة لقبضها.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، رحمه الله، في نظمه للورقات، بقوله:
وقربة يفعلها الرسول ******* تعم إلا ما أتى الدليل
على اختصاصه فيختص به ******* عليه أزكى صلوات ربه
والله أعلى وأعلم.
¥