تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2006, 03:42 ص]ـ

بسم الله

السلام عليكم

وربما كان تقدير المحذوف ضروريا، لاستقامة المعنى، فلا محيد عنه، كما في "دلالة الاقتضاء"، وهي إحدى الدلالات اللغوية في علم الأصول، وقد عرفها السرخسي الحنفي، رحمه الله، بقوله: (زيادة على المنصوص عليه يشترط تقديمها، "أي تقديرها"، ليصير المنظوم، "أي الكلام"، مفيدا أو موجبا للحكم، وبدونها لا يمكن إعمال المنظوم)

ومن ذلك:

قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم ........ )، فالمعنى هنا: حرم عليكم "نكاح" أمهاتكم، لأن النهي لا ينصب على الذوات وإنما ينصب على الأفعال، فلا يتصور النهي عن ذات الأم، وإنما المتصور، حتى يستقيم سياق النص، النهي عن ضرب أو شتم أو زجر أو نكاح الأم ...... الخ، ولما كانت الآية نصا في المحرمات في النكاح انصرف التحريم إليه دون غيره من بقية الأفعال، والله أعلم. بتصرف من الوجيز في أصول الفقه (ص363_364).

ومثله أيضا: قوله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها)، فتقدير الكلام: واسأل أهل القرية، لأن القرية لا يمكن سؤالها، لأنها لا تعقل، وهذا على قول من يقول بالمجاز، إذ جعله من "مجاز الحذف"، وأما من ينكر المجاز، مطلقا، أو القرآن الكريم، كشيخ الإسلام، رحمه الله، فإنه يقول بأن هذا مما تكلمت به العرب، وهو المعروف بـ "إقامة المضاف إليه مقام المضاف بعد حذفه"، وهو ما أشار إليه ابن مالك، رحمه الله، في الألفية بقوله:

وما يلي المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الإعراب إذا ما حذفا

فإطلاق القرية وإرادة أهلها مما تكلمت به العرب، كما تقدم، وهذا هو الجواب العام لمنكر المجاز، فهو يقول بأنه طالما استخدم اللفظ أو التركيب في كلام العرب فلا مجاز، لأن الحقيقة ليست اللفظ الباقي على استعماله، فقط، بل تشمل ما اصطلح عليه المخاطبة، وإن لم يبق على موضوعه، فمتى اصطلح المخاطبة على لفظ أو تركيب، فلا مسوغ للقول بالمجاز فيه، بل هو من الحقيقة العرفية التي تعارف المخاطبة على استعمالها والحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية فالدلالة هنا أقوى من الدلالة اللغوية المجردة، والله أعلم.

قد ورد استعمال القرية في القرآن بمعنى أهلها، كما في هذه الآية، وبمعنى البنيان، كما في قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية ......... )، فكلا المعنيين جاءت به النصوص.

ودعوى مدعي المجاز في هذه الآية مقابلة بدعوى مضادة، وهي أن الأصل في القرية هو البنيان، وليس الأهل، كما زعمتم، لأنها لا تسمى قرية إلا إذا بدئ في بنيانها، ولا يطلق على جمع من البشر مجتمعين بلا بنيان يضمهم: قرية. (مستفاد من تعليقات الشيخ الدكتور عبد الرحمن المحمود، حفظه الله، على كتاب الإيمان لشيخ الإسلام).

ومن ذلك قوله تعالى: (فقبضت قبضة من أثر الرسول)، حيث قال من جوز المجاز، بأن في هذه الآية "مجازا بالحذف"، فتقدير الكلام فقبضت قبضة من أثر حافر فرس الرسول، فحذفت 3 كلمات، والرد على ذلك يكون، بما قرره ابن القيم، رحمه الله، من وجوب مراعاة سياق الكلام الذي ورد فيه اللفظ، فسياق الكلام هنا يدل على ما قاله المخالف، دون تعسف أو تكلف في تقدير أي محذوف، فعلام تقدير كل هذه المحذوفات وقد وضح المعنى للسامع ابتداء.

ومنه: قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، فيلزم تقدير محذوف هو: (فأفطر)، لكي يستقيم السياق شرعا، ويصبح تقدير الكلام: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فصيامه يكون عدة من أيام أخر.

وقد خالف الظاهرية، رحمهم الله، تمسكا بنص الآية دون تقدير محذوف، وقالوا بوجوب الفطر على المسافر والمريض، لأن الآية نصت على أن صيامهم عدة من أيام أخر، وليس أيام مرضهم أو سفرهم، والرد على ذلك بأنه لو سلم لهم بأن الأصل هو عدم تقدير محذوف، وسياق الكلام، لغة، لا يحتاج إلى هذا التقدير، إلا أن سياقه، شرعا، يحتاج إلى هذا التقدير، لثبوت جواز الصوم في السفر، لمن قدر عليه، بالدليل الشرعي الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر، فاعتبار جانب الشرع أولى من اعتبار جانب اللغة، لأن النص ما جاء إلا ليفصح عن مقصود الشارع، عز وجل، فلا تكفي استقامة السياق لغة إن عارض دليلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير