فالعام المخصوص بالحس، كقوله تعالى: (تدمر كل شيء بأمر ربها)، فقد دل الحس على أنها لم تدمر كل شيء، بدليل بقاء السماوات والأرض، وعليه يكون تقدير الكلام: تدمر كل شيء أمرت بتدميره، (وهو قرى قوم عاد)؟، بإذن ربها.
وبهذه الآية رد الإمام أحمد، رحمه الله، على الجهمية، لما استدلوا بقوله تعالى: (الله خالق كل شيء)، على خلق القرآن، لأنه شيء، والآية عامة في كل شيء، وقد جاءت بصيغة: "كل"، وهي من أقوى صيغ العموم، فيشمل الخلق القرآن، والرد عليهم:
يكون بإيضاح معنى الآية التي استدل بها أحمد، رحمه الله، عليهم، فهو كما تقدم: تدمر كل شيء مما أمرت بتدميره بإذن ربها، فلم تؤمر ابتداء بتدمير السماوات والأرض، وإنما أمرت بإهلاك قرى عاد، ويمكن القول بأنها دمرت كل شيء مما تصلح لتدميره، فلم تكن صالحة لتدمير السماوات والأرض، لأنها لم تؤمر بذلك، وكذا الحال في قوله تعالى: (الله خالق كل شيء)، فلا يعني ذلك أن الله، عز وجل، خلق القرآن، لأن القرآن كلام الله، وكلام الله من صفاته، وصفاته، عز وجل، غير مخلوقة، كما أن ذاته، عز وجل، غير مخلوقة، فالكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
وما نقول في صفات قدسه ******* فرع الذي نقول في نفسه
وعليه فصفات الله، عز وجل، لا تصلح للدخول في عموم آية الخلق، ويكون معنى الآية: الله خالق كل شيء سواه، وأما ذاته وصفاته فغير مخلوقة، وهذا مما يعلم من الدين بالضرورة، فهو، عز وجل، خالق كل شيء مما يصلح للخلق، وذاته وصفاته، عز وجل، أزلية، فلا تصلح للدخول تحت عموم الآية، فهي غير صالحة لوصفها بأنها مخلوقة، لأنها كما تقدم أزلية لا ابتداء لها ولا انتهاء، والله أعلم.
والعام المخصوص بالعقل: كقوله تعالى: (الله خالق كل شيء)، وسبقت الإشارة إلى طرف منه، فقد دل العقل على أن ذات الله، عز وجل، غير مخلوقة، وإن تناولها لفظ: "شيء"، بدليل قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه)، فتقدير الكلام: (الله خالق كل شيء دون ذاته وأسمائه وصفاته فهي غير مخلوقة)، والله أعلم
بتصرف من الأصول من علم الأصول ص43.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 03 - 2006, 01:53 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومنه قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا)، فتقدير الكلام: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها كذلك دائم، فحذف: (كذلك دائم) لدلالة السياق عليه، واكتفى بوصف الأكل بالدوام، دون الظل.
وكذا قوله تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات)
فتقدير الكلام: يوم تبدل الأرض غير الأرض وكذلك السماوات تبدل غير السماوات التي ترونها.
وقوله تعالى: (واللآئي يئسن من المحيض من نسائكم، إن ارتبتم، فعدتهن ثلاثة أشهر واللآئي لم يحضن)، فمن انقطع دم حيضها، فإنها تعتد بالأشهر، وكذا الصغيرة التي لم تحض بعد، ومعنى قوله تعالى: (إن ارتبتم)، أي إن ارتبتم في حكمها ولم تعلموه، أو إن ارتبتم في حالها، هل انقطع الدم أو لم ينقطع، إن كانت مستحاضة، يأتيها الدم تارة وينقطع عنها تارة أخرى، أو كانت صغيرة أتاها الدم لأول مرة، فارتبتم هل هو دم حيض أم دم علة وفساد.
وقوله تعالى: (واللآئي لم يحضن)، معناه أنهن كذلك في الحكم، فحذف قول: (كذلك)، لدلالة السياق عليه، والله أعلم.
ومن ذلك أيضا: حذف العائد إذا جر بحرف جر الموصول بمثله مع اتحاد المعنى، ومن ذلك قوله تعالى: (يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون)، فتقدير الكلام: يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون منه، فحذف: "منه"، الصلة الثانية، لأنها مجرورة بحرف الجر "من"، كالصلة الأولى، وقد دل السياق عليها فحذفت إيجازا، والله أعلم. بتصرف من زاد المعاد لابن القيم، رحمه الله، (1/ 8).
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (أئذا كنا ترابا وآباؤنا)، فتقدير الكلام: أئذا كنا ترابا نحن وآباؤنا، فعطف "آباؤنا" على المكنى في "كنا" من غير إظهار "نحن"، ومنه قول بعض العرب:
ألم تر أن النبع يصلب عوده ******* ولا يستوي والخروع المتقصف
¥