ومن ذلك قوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد)، فقد جعله ابن هشام، رحمه الله، في المغني، من الصور التي يصح فيها الإخبار بشبه الجملة، الجار والمجرور، لأن متعلق الجار والمجرور هنا خاص قد قامت القرينة الدالة عليه، وهي صدر الآية، وفيه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)، وعليه يكون تقدير الكلام: الحر يقتل بالحر، والعبد يقتل بالعبد.
بتصرف من "منحة الجليل"، (1/ 174).
ومن ذلك، أيضا، قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم).
فتقدير الكلام في الشطر الثاني: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم): وطائفة من غيركم قد أهمتهم أنفسهم، بدلالة قوله تعالى، في صدر الآية: (يغشى طائفة منكم)، فيقابل هذه الطائفة التي هي منكم، طائفة أخرى من غيركم، وعليه يقال بأن صفة الطائفة الثانية محذوفة لدلالة صفة الطائفة الأولى عليها، وعليه ساغ الابتداء بـ "طائفة"، رغم كونها نكرة، لأنها وصفت، وإن كان الوصف محذوفا، والنكرة إذا وصفت خصصت، بالبناء للمفعول، فاكتسبت نوع تعريف ساغ معه الابتداء بها، كما في قوله تعالى: (ولعبد مؤمن)، فـ: "عبد" نكرة، ابتدئ بها الكلام، بدليل دخول لام الابتداء عليها، لأنها وصفت بصفة مذكورة وهي: "مؤمن"، وهذا بطبيعة الحال خلاف الأصل المانع من الابتداء بالنكرة، لأن الأصل أن المبتدأ يطلب خبره لأنه بمثابة المحكوم عليه، والمحكوم عليه لابد أن يكون معلوما، لأنه لا يتصور الحكم على مجهول، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، والنكرة مجهولة لا يمكن تصورها حتى نحكم عليها بحكم الخبر، والله أعلم
مستفاد من "أوضح المسالك، شرح ألفية ابن مالك"، لابن هشام الأنصاري، رحمه الله، ص75، وشرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لنفس الكتاب.
والوصف كما يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، على ثلاثة أنواع:
الوصف اللفظي: كقولك: رجل من الكرام عندنا، فـ: "من الكرام"، صفة لفظية مذكورة لـ: "رجل"، سوغت الابتداء به مع كونه نكرة.
والوصف التقديري: كالمثال المذكور.
والوصف المعنوي: وضابطه ألا يكون مذكورا أو مقدرا، ولكن صيغة النكرة تدل عليه كـ:
أن تكون النكرة مصغرة، كقولك: رجيل عندنا، فالمعنى: رجل صغير عندنا، فالتصغير أكسب النكرة صفة الصغر، وإن لم تذكر أو تقدر.
أو تكون دالة على التعجب، كـ: "ما" التعجبية، كقولك: ما أحسن زيدا، فتقدير الكلام: شيء عظيم حسن زيدا، ففيها وصف التعجب الملازم لمادتها دون ذكر أو تقدير، والله أعلم.
بتصرف من "منحة الجليل"، (1/ 180).
ومن ذلك قوله تعالى: (وكلا وعد الله الحسنى)، برفع: "كل"، في قراءة ابن عامر الشامي، رحمه الله، فلا بد من تقدير ضمير في جملة الخبر: "وعد الله الحسنى"، يعود على المبتدأ: "كل"، لأن وجود رابط ما بين المبتدأ وجملة الخبر، شرط لصحة الإخبار عنه بها، والرابط هنا محذوف وتقديره: وكل وعده الله الحسنى، فهاء الغائب في: "وعده" ضمير يعود على المبتدأ: "كل"، والله أعلم.
مستفاد من "أوضح المسالك، شرح ألفية ابن مالك"، لابن هشام الأنصاري، رحمه الله، ص73، وشرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لنفس الكتاب.
ومن ذلك، أيضا، قوله تعالى: (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا)، فتقدير الكلام: "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم هو أشد على الرحمن عتيا"، فحذف صدر الصلة، أي مبتدأها، "هو"، ولذا ساغ القول ببناء "أي" في "أيهم"، على الضم، رغم أن الأصل فيها الإعراب، لأن الإضافة قوتها في باب الاسمية، والأصل في الاسم الإعراب، ولكن لما حذف صدر صلتها، كما تقدم، لازمت البناء على الضم، وأعربت هنا: مفعول به مقدم، مبني على الضم، في محل نصب، وهو مضاف وما بعده مضاف إليه، والله أعلم.
بتصرف من "منحة الجليل"، (1/ 136).
ومن ذلك قوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض)، فتقدير الكلام: فاقض ما أنت قاضيه، لأن "قاض"، وصف، اسم فاعل، يدل على المستقبل، فقضاؤه فيهم أمر مستقبل لم يحدث بعد، والهاء المحذوفة مجرورة بهذا الوصف، ولذا ساغ حذفها، والله أعلم.
¥