تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السلام عليكم

ومن ذلك قوله تعالى: (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين)، فالجمهور خلاف الأخفش، يجعلون جملة: " إنا لا نضيع أجر المحسنين "، جملة مستأنفة، وليست خبرا عن "الذين"، وعليه يكون خبر "الذين"، محذوف للدلالة عليه، ويقدر تبعا لسياق الكلام، فيكون على سبيل المثال: والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة "مفلحون"، ثم يستأنف الكلام: (إنا لا نضيع أجر المحسنين).

وأما الأخفش فجعل جملة: " إنا لا نضيع أجر المحسنين " هي الخبر عن المبتدأ: "الذين"، والرابط بينهما: إعادة المبتدأ بمعناه في جملة الخبر، فـ: "الذين"، المبتدأ، أشير إليه بـ "المحسنين"، في جملة الخبر، والله أعلم.

مستفاد من "أوضح المسالك، شرح ألفية ابن مالك"، لابن هشام الأنصاري، رحمه الله، ص73، وشرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لنفس الكتاب.

ومن ذلك قوله تعالى: (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء)، يقول ابن عقيل رحمه الله:

فـ "منا"، و "فداء": مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا، والتقدير، والله أعلم،: فإما تمنون منا، وإما تفدون فداء. اهـ

فهذا الموضع من مواضع حذف عامل المصدر، (أي فعله الذي يعمل فيه)، وجوبا، لأن المصدر وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه، فعاقبة الأسر إما: المن وإما الفداء، كما نصت الآية، وإن كان قتل الأسير جائزا، بل هو الأصل، في أول القتال، حتى يحصل الإثخان في العدو، فإذا حصل، ورأى القائد المصلحة في اتخاذ الأسرى، جاز له ذلك، على تفصيل يطلب من كتب الفروع، والله أعلم.

بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، (2/ 140).

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)، فتقدير الكلام: وأشربوا في قلوبهم حب العجل بكفرهم، لأن القلب محل الحب والبغض، لا الذوات المحبوبة أو المبغضة، وهذا من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه محله، وسبقت الإشارة إليه عند الكلام على قوله تعالى: (واسأل القرية)، على تقدير: واسأل أهل القرية، والقائلون بالمجاز في القرآن، يقولون بأن هذا من "مجاز الحذف"، ولا إشكال في هاتين الآيتين، سواء قيل بتقدير محذوف مناسب يستقيم معه سياق الكلام، أو قيل، وهو الأصح، أنه لا مجاز في هذه المواضع، لأن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه محله، مما تكلم به العرب، فصار حقيقة في لغتهم لا مجازا، وهذا هو الرد الإجمالي، على القائلين بوجود المجاز في القرآن، كما أشار إلى ذلك الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، في رسالة " منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز"، فضلا عن أن السياق مفهوم دون تقدير المحذوف، فلا يتصور أن يفهم المستمع من الآيتين السابقتين أن العجل بذاته هو الذي أشربه القوم في قلوبهم، أو أن قوله تعالى: (واسأل القرية)، يعني سؤال بيوتها وجدرانها، والأهم من ذلك أن فتح هذا الباب قد يوقع في تأويل بعض آيات الأسماء والصفات بحجة أنها مجازية الدلالة، وهذا ما وقع فيه أئمة كبار، كالقرطبي، رحمه الله، في قوله تعالى: (وجاء ربك)، حيث قدر محذوفا وهو: "أمر"، فتقدير الكلام: وجاء أمر ربك وتابعه ابن عقيل رحمه الله، في شرحه، في (3/ 58)، عند كلامه على قول ابن مالك رحمه الله:

وما يلي المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الإعراب إذا ما حذفا

وقوله، رحمه الله، من الناحية النحوية، صحيح، فحذف المضاف "أمر"، وهو فاعل، وإقامة المضاف إليه "ربك"، محله، بحيث يكون هو الفاعل لفظا، لا إشكال فيه، ولكن الإشكال أن: "ربك"، ليس فاعلا في اللفظ دون المعنى، وإنما هو فاعل في اللفظ والمعنى، فمجيئه، كما قرر أئمة أهل السنة والجماعة، مجيء حقيقي، على الوجه الذي يليق بجلاله، فمعناه متصور، وإن كانت كيفيته مما لا تدركه عقول البشر، فهو صفة من صفات الله، عز وجل، الفعلية، المتعلقة بمشيئته، فيجيء كيفما شاء وقتما شاء، سبحانه وتعالى وعز وجل، وأما القول بمجيء أمره فهو مردود من جهة:

أنه قد اتضح غاية الاتضاح، أن مجيء الله، عز وجل، غير مجيء أمره وملائكته، وأن مجيئه حقيقة ومجيء أمره حقيقة ومجيء ملائكته حقيقة، وقد فصل الله، عز وجل، ذلك وقسمه ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز.

· فذكر سبحانه وتعالى في آية: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر) وآية: (وجاء ربك والملك صفا صفا)، إتيانه وإتيان ملائكته.

· وذكر في آية: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم) إتيان ملائكته وإتيان أمره.

· وذكر في آية: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) إتيانه وإتيان ملائكته وإتيان بعض آياته التي هي من أمره.

ويقال أيضا: ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة؟ أليس أمره آتيا في كل وقت، ومتنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل حين، والله أعلم.

بتصرف من مختصر معارج القبول ص73_74.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير