تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2006, 03:42 ص]ـ

بسم الله

السلام عليكم

ومن ذلك قوله تعالى: (فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس)، يقول ابن هشام رحمه الله:

وفي الآية إيجاز ومجاز، وتقديرهما: "فجعلنا زرعها في استئصاله كالزرع المحصود فكأن زرعها لم يلبث بالأمس"، فحذف مضافان واسم كأن، وموصوف اسم المفعول، وأقيم "فعيل" مقام "مفعول"، لأنه أبلغ منه، ولهذا لا يقال لمن جرح في أنملته: جريح، ويقال له مجروح.

فالمضافان المحذوفان:

"زرع"، في "زرعها"، ثم اتصل الضمير بـ "فجعلنا" فصارت "فجعلناها"، و "زرع" في "فكأن زرعها"، ثم اتصل الضمير بـ "كأن".

فكأن المضاف قد حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو أحد أساليب العرب في كلامها، وقد ذكره ابن مالك، رحمه الله، في الألفية، وسبقت الإشارة إلى ذلك، والله أعلم.

واسم كأن المحذوف: هو ضمير الشأن، لأن تقدير الكلام بعد حذف "زرع" في "فكأن زرعها": فكأنه لم يلبث بالأمس، فاتصل الضمير في "زرعها" بـ "كأن" بعد حذف المضاف "زرع"، وأصبح هو اسم كأن، ثم حذف هو بدوره، والله أعلم.

والمحذوف الرابع هو: الموصوف في "كالزرع المحصود"، فحذفت الموصوف وأقيمت الصفة محله، وتغيرت صيغتها من "مفعول" محصود، إلى "فعيل" حصيد، والله أعلم.

وابن هشام، رحمه الله، من القائلين بالمجاز في القرآن، كما يظهر من كلامه، ولذا:

اعتبر تبادل الصيغ في "حصيد"، لأنها فعيل بمعنى مفعول، اعتبره مجازا، لأن دلالة فعيل أقوى من مفعول، فهي تدل على المبالغة في الحصد.

واعتبر المجاز الإسنادي في قوله تعالى: (فجعلناها حصيدا)، لأنه أسند الحصد، أو أوقعه بمعنى أصح، على الأرض، رغم أن المحصود هو الزرع وليس الأرض التي ينبت فيها.

واعتبر المجاز الإسنادي، أيضا، في قوله تعالى: (كأن لم تغن)، حيث أسند الفعل إلى ضمير الأرض المستتر، فتقدير الكلام: كأن لم تغن هي، رغم أن الفعل واقع حقيقة على الزرع لا الأرض.

فاعتبره في 3 مواضع، ومنكر المجاز في القرآن يقول: بأنه لا مجاز هنا لأن المعنى مفهوم متبادر إلى الذهن دون الحاجة للقول بالمجاز، فاستعمال صيغة المبالغة، يدل من اسمها، على المبالغة، ولا مجاز في هذا الأسلوب، وكذا في المجازين الآخرين لأن كل سامع يدرك جيدا أن الإهلاك واقع حقيقة على الزرع، وإن نسب للأرض، فإنك لو قلت لأحد: احصد هذه الأرض ولك كذا، فلا يتصور أنه فهم من كلامك أنك تطلب منه حصد نفس الأرض، لأن الأرض، بمعنى التربة، لا تحصد، وإنما المقصود: احصد ثمر هذه الأرض.

والخطب في مثل هذه الآيات هين، وإنما يعظم الخطب في آيات الأسماء والصفات، لأن القول بمجازيتها يفتح الباب لإنكارها أو تحريفها تحت مسمى التأويل، بدعوى تنزيه الخالق، عز وجل، عن مشابهة المخلوق، وسبقت الإشارة إلى طرف من ذلك، والله أعلم.

وأما الغنى المقصود في الآية فهو: البقاء والإقامة، ومنه:

قوله تعالى: (كأن لم يغنوا فيها)، أي كأن لم يبقوا فيها.

وشاهده من كلام العرب قول الأعشى:

وكنت امرأ زمنا بالعراق ******* عفيف المناخ طويل التغني

أي طويل الإقامة بالعراق.

بتصرف من "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب" ص137.

و "زاد المعاد" لابن قيم الجوزية، رحمه الله، (1/ 198).

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (لله الأمر من قبل ومن بعد)، فالبناء في "قبل" و "بعد" على الضم، بناء عارض، للقطع، بمعنى أنك قطعت "قبل" و "بعد" عن الإضافة اللفظية ونويت الإضافة المعنوية، فيكون تقدير الكلام: لله الأمر من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، على قول ابن يعيش، أو: لله الأمر من قبل الغلب ومن بعد الغلب، على قول ابن هشام، رحمه الله، لأنه أنسب للمقام، لأنه مقام كلام عن هزيمة للروم يعقبها غلب، والله أعلم.

وإذا قطعت عن الإضافة لفظا ومعنى أعربت "قبل" و "بعد" إعرابا عاديا بالحركات، ومنه قول يزيد بن الصعق:

فساغ لي الشراب وكنت قبلا ******* أكاد أغص بالماء الحميم

فأعرب "قبلا" بالحركات، لأنه لم يضفها لفظا، ولا معنى، فلم يتعرض لفظا أو معنى لقبلية معينة، أي لم يوضح قبل ماذا، وإنما أطلق القبلية، والله أعلم.

بتصرف من "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب" ص137، 139.

ومنه قوله تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ).

فتقدير الكلام: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا نسلم عليك سلاما قال سلام عليكم فما لبث أن جاء بعجل حنيذ.

فحذف عامل المصدر "سلاما" وهو الفعل "نسلم"، وحذف متعلق العامل "عليك"، من الجملة الفعلية: (نسلم عليك سلاما)، وحذف متعلق خبر المبتدأ "سلام"، وهو الجار والمجرور "عليكم"، من الجملة الاسمية: (سلام عليكم).

وللعلماء في هذه الآية توجيه لطيف وهو:

أن تحية الخليل صلى الله عليه وسلم أكمل من تحية الملائكة، لأن تحيته وقعت بجملة اسمية، والجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، وتحيتهم وقعت بجملة فعلية تدل على الحدوث والتجدد لا الثبوت والدوام، والثبوت أقوى في الدلالة من الحدوث، كما في قوله تعالى: (أو لم يرو إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن)، فذكر حالة صف الأجنحة، وهو البسط، بصيغة الاسم الدال على الثبوت، لأنه غالب أحوال الطير أثناء الطيران، وذكر القبض بصيغة الفعل، لأنه لا يحدث إلا عند تغيير اتجاه الطيران، وهو أمر حادث، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير