ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 04 - 2006, 03:37 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك قوله تعالى: (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا): فتقدير الكلام: أنا أكثر منك مالا وأعز منك نفرا، فـ "أفعل" التفضيل هنا، وهي "أكثر"، مجرد من "أل" والإضافة، لذا وجب اتصال "من" الجارة به لفظا أو تقديرا، وهذا ما حصل بالفعل في الشطر الأول من الآية: (أنا أكثر منك مالا)، فجرت "من" كاف المخاطب العائدة على المفضول، واستغني عن ذكرها في الشطر الثاني من الآية لدلالة الشطر الأول عليها، والله أعلم.
بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، (3/ 137).
ومن ذلك قوله تعالى: (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) في قراءة ابن محيصن، حيث حذف همزة التسوية من "أأنذرتهم" لدلالة السياق عليها، فالسياق يدل على أن حالهم سواء أنذروا أم لم ينذروا واحد، ومن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ******* بسبع رمين الجمر أم بثمان
أي: أبسبع رمين الجمار أم بثمان.
بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، (3/ 179).
ومنه حذف أداة النداء، وهذا واقع في كثير من آي القرآن، فمن ذلك:
قوله تعالى: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم)، فتقدير الكلام: ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم.
وقوله تعالى: (يوسف أعرض عن هذا)، أي: يا يوسف أعرض عن هذا.
وقوله تعالى: (ربنا أرنا الذين أضلانا)، أي: يا ربنا أرنا الذين أضلانا.
وقوله تعالى: (قل اللهم فاطر السماوات والأرض)، أي: يا فاطر السماوات والأرض، ويجوز أن يكون (فاطر) صفة لاسم الله تعالى خلافا لسيبويه، رحمه الله، وعليه لا حاجة لتكلف تقدير محذوف يستقيم معه السياق، فالأصل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع، الأصل عدم الحذف.
وقوله تعالى: (أن أدوا إلي عباد الله)، أي: أن أدوا إلي يا عباد الله، ويجوز أن يكون (عباد الله)، مفعولا بـ "أدوا"، ويكون الأداء هنا بمعنى الإرسال والإطلاق، كما في قوله تعالى: (أن أرسل معنا بني إسرائيل).
وقوله تعالى: (سنفرغ لكم أيه الثقلان)، أي: يا أيه الثقلان.
ومنه قول الشاعر:
ذا إرعواء فليس بعد اشتعال ******* الرأس شيبا إلى الصبا من سبيل
أي: يا هذا انزجر فما بعد الشيب من صبا يرجى، والله أعلم.
بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، (3/ 198)، و "شرح شذور الذهب" لابن هشام، رحمه الله، ص74، 145
ومنه قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، فتقدير الكلام: ولولا دفع الله الناس موجود لغلب المفسدون وبطلت مصالح الأرض، فـ "سنة التدافع" من أجل سنن الله، عز وجل، في الكون، فلولا الشر لما ظهر الخير، ولولا الكفر لما ظهر الإيمان، ولولا بغي الكفار لعطل الجهاد، ولما اتخذ الله من أوليائه شهداء، والله أعلم.
ونظير ذلك قوله تعالى: (لولا أنتم لكنا مؤمنين)، فتقدير الكلام: لولا أنتم موجودون لكنا مؤمنين، فقد منعنا وجودكم وإغواؤكم لنا من الإيمان.
ومنه قول الراجز:
والله لولا الله ما اهتدينا ******* ولا تصدقنا ولا صلينا، أي: لولا الله موجود ما اهتدينا.
وإنما وجب الحذف هنا لأن الخبر كون عام، مقدر بـ "موجود" أو "كائن"، وأما إذا كان خاصا كقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، لم يجز حذف الخبر وهو هنا: (حديثو عهد) لعدم استغناء السياق في بيان معناه بالكون العام، فالذي منع الرسول صلى الله عليه وسلم من هدم البيت وإعادته على قواعد إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، ليس وجود القوم، حتى نقول بأن الخبر كون عام والتقدير: لولا قومك موجودون، وإنما الذي منعه أنهم حديثو عهد بكفر، فربما أدى هدم البيت لإعادته على قواعده الأولى إلى فتنتهم في الدين، وهكذا فلتكن الدعوة، فإن الداعية يستحب له في أول أمره ترك بعض المستحبات، لا الواجبات، تأليفا لقلوب من يدعوهم، فطالما لم يترتب على تأخير العمل فساد في الدين أو تعطيل للشرع أو إهدار للواجب، وكانت المصلحة في تركه أو تأجيله، فبها ونعم، والله أعلم.
¥