وأما الزمخشري، غفر الله له، فقد ذهب في جماعة من العلماء إلى أن الهمزة في هذه الآية في محلها الأصلي فلها الصدارة أصالة دون الحاجة إلى القول بأنها تقدمت تجوزا على العاطف الذي من حقه الصدارة أصالة فنحي عنها لمكان الهمزة، وعليه لابد من تقدير جملة بين الهمزة وحرف العطف، بحيث تكون الجملة التالية لحرف العطف معطوفة على هذه الجملة المقدرة، فيكون تقدير الكلام عندهم: أمكثوا فلم يسيروا في الأرض، فجاءت الهمزة على أصلها مقدمة على جملة "مكثوا" ثم عطف عليها بـ "الفاء" جملة "لم يسيروا".
ومثله قوله تعالى: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا)، فلا محذوف عند الجمهور، وقدمت الهمزة على الفاء تجوزا لصدارتها، وعند الزمخشري ومن نحا نحوه تقدير الكلام: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، فتقدمت الهمزة على جملة "نهملكم"، وعطف عليها بـ "الفاء" جملة "نضرب".
وقوله تعالى: (أفإين مات أو قتل انقلبتم)، فلا محذوف عند الجمهور، وعند الزمخشري ومن نحا نحوه تقدير الكلام: أتؤمنون به في حياته فإن مات أو قتل انقلبتم، فتقدمت الهمزة على جملة "أتؤمنون به في حياته"، وعطف عليها بـ "الفاء" جملة "إن مات أو قتل انقلبتم".
وقوله تعالى: (أفما نحن بميتين)، فلا محذوف عند الجمهور، وعند الزمخشري، ومن نحا نحوه تقدير الكلام: أنحن مخلدون فما نحن بميتين، فتقدمت الهمزة على جملة "نحن مخلدون"، وعطف عليها بـ "الفاء" جملة "ما نحن بميتين".
يقول العلامة المحقق ابن هشام رحمه الله: ويضعف قولهم، أي قول الزمخشري وأتباعه، ما فيه من التكلف، وأنه غير مطرد في جميع المواضع.
أما الأول "أي الرأي الأول": فلدعوى حذف الجملة، "أي في الرأي الثاني"، فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه، لأن المتجوز فيه على قولهم أقل لفظا، مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شيء في شيء، أي أصالة الهمزة في التصدير.
فابن هشام، رحمه الله، يرجح قول الجمهور لأن غاية ما فيه تقديم بعض المعطوف، وهو الهمزة لأنها داخلة في حيز المعطوف لمجيئها بعد حرف العطف إذا ما أخرناها، فغاية ما هنالك أنها قدمت على الفاء تنبيها على أصالتها في التقدم، فتقدمت عرضا لا أصلا بدليل أن هذا الأمر غير مطرد في بقية أدوات الاستفهام كما في قوله تعالى: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم)، وسبقت الإشارة إليه تفصيلا.
ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:
وأما الثاني، أي السبب الثاني من أسباب ترجيح رأي الجمهور: فلأنه غير ممكن في نحو: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)، وقد جزم الزمخشري في مواضع بما تقوله الجماعة، منها:
في قوله تعالى: (أفأمن أهل القرى): إنه عطف على: (فأخذناهم بغتة).
وقوله تعالى: (أءنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون)، فيمن قرأ بفتح الواو: أن (آباؤنا) عطف على الضمير في (مبعوثون)، وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام.
وجوز، أي الزمخشري، الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: (أفغير دين الله يبغون): دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن تعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون؟
فالمخالف ينحو نحو الجمهور في آيات لا يصح فيها قوله، ويجعل حاصل المسألة عطف جملة على جملة، تقدم فيه جزء من الجملة المعطوفة، وهو "همزة الاستفهام"، على العاطف، لمكانها من الصدارة، كما تقدم، ويجوز الوجهين في آية أخرى.
فالحاصل أن رأي الجمهور أقوى من وجهين:
الأول: أنه لا يحتاج معه إلى تقدير محذوف، وهذا أولى، كما تقدم مرارا.
والثاني: أنه مطرد، خلاف الرأي الثاني الذي يصح في مواضع ويمتنع في مواضع ويجوز في مواضع، والمطرد أولى من المضطرب، والله أعلم.
بتصرف من مغني اللبيب (1/ 38).
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 04 - 2006, 11:39 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى)، فتقدير الكلام: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن لا يؤتوا أولي القربى، وأصل "يأتل"، يأتلي، ومعناه: يحلف، وهو يفتعل من الألية، وهي اليمين ومنه القول المنسوب لمجنون ليلى:
علي ألية إن كنت أدري ******* أينقص حب ليلى أم يزيد
¥