أي: علي يمين، أو من قولهم: ما ألوت جهدا، أي ما قصرت، فالمعنى: ولا يحلف أولوا الفضل منكم والسعة على عدم إعطاء أولي القربى.
وكذا قوله تعالى: (يبين الله لكم أن تضلوا)، أي: يبين الله لكم لأن لا تضلوا.
وقوله تعالى: (تالله تفتؤا تذكر يوسف)، أي: تالله لا تفتؤا تذكر يوسف.
وشواهد ذلك من كلام العرب كثيرة فمن ذلك:
قول خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومي ******* بحمد الله منتطقا مجيدا
أي: لا أبرح بحمد الله ما أدام الله قومي ناطقا بمآثرهم وأمجادهم.
وقول خليفة بن براز:
تنفك تسمع ما حييت ******* بهالك حتى تكونه.
أي: لا تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكون أنت هذا الهالك.
وقول امرئ القيس:
فقلت: يمين الله أبرح قاعدا ******* ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي: يمين الله قسمي لا أبرح قاعدا لديك ولو قطعوا رأسي وأوصالي، وفيه شاهد لمسألة حذف الخبر وجوبا في "يمين الله"، لأن المبتدأ نص في القسم، فتقدير الكلام: يمين الله قسمي.
وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
تالله أنسى حبها ******* حياتنا أو أقبرا
أي: تالله لا أنسى حبها .........
وقول نصيب من مرثية له في أبي بكر بن عبد العزيز بن مروان:
تالله أنسى مصيبتي أبدا ******* ما أسمعتني حنينها الإبل
يقول الشيخ محمد محيي الدين رحمه الله:
ويشترط لجواز حذف حرف النفي مطلقا:
أولا: أن يكون هذا الحرف "لا" دون سائر حروف النفي، كما يظهر من الشواهد السابقة.
ثانيا: أن يكون المنفي به مضارعا، كما في الآية: "تفتؤا" مضارع "فتئ".
ثالثا: أن يكون ذلك في القسم، كما في كل الشواهد السابقة، ما عدا بيت خداش بن زهير وخليفة بن بزار، فالحذف فيهما شاذ.
بتصرف من"منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل" (1/ 217_218) و "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب" ص85.
ومنه قوله تعالى: (لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)، يقول ابن هشام رحمه الله:
فأضيف الضحى إلى ضمير العشية، لما بينهما من المناسبة، وقيل، وهو الشاهد في مسألة تقدير المحذوف: الأصل "أو ضحى يومها" ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه محله، وسبقت الإشارة إلى هذا الأسلوب في كلام العرب في أكثر من موضع، ويعلق ابن هشام، رحمه الله، على القول الثاني بقوله: ولا حاجة إلى هذا. اهـ، لأنه، كما سبق، طالما استقام السياق دون تقدير محذوف فالأصل عدم الحذف، فلا حاجة لتكلف تقديره.
بتصرف من " شرح شذور الذهب" ص106.
ومنه قوله تعالى: (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) في قراءة من فتح "يوم"، فالكوفيون يجيزون أن تكون هذه الفتحة فتحة بناء، وعليه فلا مانع من كونها خبرا لـ "هذا"، كما في قراءة الرفع، غاية ما هنالك أن الخبر في قراءة الرفع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، فهو معرب، بينما الخبر في قراءة الفتح مبني على الفتح، وعليه لا تقدير في كلتا الحالتين عند الكوفيين.
وأما البصريون فيوافقون الكوفيين في قراءة الرفع، ويخالفونهم في قراءة الفتح، فهم يمنعون بناء "يوم" على الفتح، ولهم في تخريج هذه القراءة وجهان:
الوجه الأول: أن "هذا" مبتدأ، وخبره محذوف وتقديره: "جزاء صدقكم"، و"يوم" متعلق بـ "قال"، فيكون السياق: قال الله في يوم ينفع الصادقين صدقهم هذا جزاء صدقكم.
والوجه الثاني: أن هذا "مبتدأ"، خبره محذوف، وهو متعلق الظرف "يوم"، وتقديره "كائن أو حاصل"، فيكون السياق: هذا الذي ذكره الله، عز وجل، في الآيات السابقة من سؤاله عيسى صلى الله عليه وسلم وجواب عيسى عليه الصلاة والسلام كائن أو حاصل في اليوم الذي ينفع فيه الصادقين صدقهم، وهو يوم القيامة.
يقول الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، رحمه الله، وهو صاحب هذا التحقيق البديع: فافهم هذا التحقيق، فإنه نفيس وقد حاولت تيسير عبارته عليك، والله ينفعك به. اهـ، وصدق، رحمه الله، فهو تحقيق يدل على تضلع صاحبه من علوم العربية، فجزاه الله عنا خيرا بما حقق ودقق.
بتصرف من "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب" ص114.
ومن ذلك قوله تعالى: (وقالت هيت لك)، في قراءة من فتح الهاء والتاء وسكن الياء، فمن ضمن تخريجات هذه القراءة:
¥