أن "هيت"، اسم فعل أمر بمعنى "أقبل"، مثل هلم وتعال، عند من يقول بأن "تعال" اسم فعل أمر والراجح خلافه لأنها تقبل ياء المخاطبة فتقول للأنثى: تعالي، فيكون السياق بهذا التخريج: أقبل لك، ولكي يستقيم السياق لابد من تقدير محذوف مناسب، فيقال بأن المعنى: أقبل، أقول لك أنت لا لغيرك، فكأنها اعتقدت أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم ينتبه إلى أنه المقصود بهذا الخطاب فأرادت تنبيهه، كأن ينادي شخص على آخر فيقول: يا أحمد، فيلتفت المخاطب شاكا، هل هو المقصود بالخطاب أم أحمد غيره، فيزيل المنادي شكه بقوله: أنت أنت، إياك أعني بالقول لا غيرك، والله أعلم.
وأما من قال بأن "هيت" اسم فعل ماض بمعنى: تهيأت واستعددت، فإنه لا يلزمه تقدير محذوف، لأن السياق مستقيم بدونه فيكون المعنى: تهيأت واستعددت لك.
ومن قرأ "هئت"، فالتاء عنده ليست جزءا من الكلمة، وإنما اللفظ فعل "هاء" أي تجهز واستعد، متصلا بتاء الفاعل، كـ "جئت" و "شئت".
ومن قرأ "هيت"، بكسر الهاء وضم التاء، فهو كالقول السابق، تماما بتمام، كل ما هنالك أن القارئ قلب الهمزة الساكنة ياء لوقوعها ساكنة بعد الكسرة، تخفيفا، وهذا جار على لغة أهل الحجاز، فإنهم يقولون في "ذئب": ذيب، وفي "بئر": بير، وفي "سؤل": سول، وفي "شأن": شان، وهكذا.
بتصرف من "منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب" ص155.
ومن ذلك قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل)، أي: قدرنا له منازل، فحذفت لام الاختصاص، واتصل الضمير بالفعل.
أو: قدرناه ذا منازل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فنصب إما على الحال، أي: قدرناه حال كونه ذا منازل متعددة، وإما على أنه مفعول ثان للفعل "قدرنا"، بتضمينه معنى الفعل "صيرنا"، أي: صيرناه منازل، والله أعلم.
وفيه وجه آخر، وهو تقدير عامل لـ "القمر"، يدل عليه ما بعده، فيكون السياق: وقدرنا القمر ....... ، خلاف قولك في غير القرآن: والقمر قدرنا، دون ضمير يعود على المفعول المتقدم لفظا لا رتبة، فلا يلزم هنا تقدير عامل للمفعول لأنه يعرب: مفعول به مقدم، لأن العامل بعده لم يستوف مفعوله كما استوفاه في قوله تعالى: (والقمر قدرناه).
ويشبه ذلك قولك: زيدا رحمه الله، بنصب "زيد"، فتقدير الكلام: رحم الله زيدا، فقدر عامل دل عليه ما تلا "زيد" وهو الفعل "رحمه" لاتصاله بضمير يعود على المفعول المقدم لفظا لا رتبة فرتبة المفعول به متأخرة دوما عن رتبة الفعل والفاعل، ويجوز فيه الرفع فتقول: زيد رحمه الله، وتكون جملة "رحمه الله" الطلبية، خبرا للمبتدأ "زيد"، والنصب أولى، لأن الإخبار بالجملة الطلبية خلاف الأصل لأنها لا تحتمل الصدق والكذب كالجملة الخبرية التي هي الأصل في الخبر، والله أعلم.
بتصرف من شرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لـ "شرح شذور الذهب" ص169 و "منحة الجليل" (2/ 106).
ومنه قوله تعالى: (ليخرجن الأعز منها الأذل)، في قراءة من فتح الياء وضم الراء، فيكون "الأذل" حالا، والحال كما علم واجبة التنكير، و "الأذل" معرف بـ "أل"، فيلزم تأويلها بنكرة، فيكون المعنى: ليخرجن الأعز منها ذليلا، وعليه يقال بأن "أل" في "الأذل" زائدة، ولا حاجة لتقدير محذوف في هذه الحالة.
ولقائل أن يقول بأن في الكلام حذفا فتقدير الكلام: ليخرجن الأعز منها خروج الذليل، فـ "خروج" مصدر مبين لنوع العامل، أي الفعل "يخرجن"، وهو مضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، فيكون "الأذل": نائبا عن المصدر، كما في:
قوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل)، فـ "كل" نائب عن المصدر "ميلا".
وقوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة)، فـ "ثمانين" نائب عن المصدر "جلدا".
وقوله تعالى: (لا أعذبه أحدا من العالمين)، فالضمير في "أعذبه" نائب عن المصدر "العذاب"، فتقدير الكلام: لا أعذب العذاب أحدا من العالمين، أي أوقع عليه عذاب لا أوقع عذابا مثله على أحد من العالمين، والله أعلم.
ومنه قول الشاعر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ******* يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
فـ "كل" نائب عن المصدر "الظن"، والله أعلم.
بتصرف من "شرح شذور الذهب" ص182، و "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل" (2/ 135_136).
¥