تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن مواضع الحذف قوله تعالى: (علم أن سيكون)، برفع "سيكون"، لأن "أن" هنا ليست "أن" الناصبة وإنما هي المخففة من "أن" الناسخة، وعليه يكون تقدير الكلام: علم أنه سيكون، فحذف ضمير الشأن: اسم إن لدلالة السياق عليه، وجملة "سيكون" خبر إن.

ومثله قوله تعالى: (وحسبوا أن لا تكون)، في قراءة من رفع "تكون"، لأن "لا" النافية لا عمل لها في الفعل، فتقدير الكلام: وحسبوا أنه لا تكون، ويقال أيضا بأن: ضمير الشأن المحذوف هو اسم إن، وجملة "تكون" خبر إن.

ومن شواهده من كلام العرب قول جرير رحمه الله:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا ******* أبشر بطول سلامة يا مربع

فتقدير الكلام: زعم الفرزدق أنه سيقتل مربعا.

بتصرف من مغني اللبيب (1/ 52).

ومن ذلك قوله تعالى: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم)، أي: فيقال لهم أكفرتم، فحذف القول استغناء عنه بالمقول، وتبعته الفاء، حرف التفصيل، في الحذف.

وقد زعم بعض المتأخرين، كما يقول ابن هشام، رحمه الله، أن فاء جواب "إما" لا تحذف في غير الضرورة، وعليه يكون المحذوف هنا هو القول فقط، وأما فاء الجواب فهي المتصلة بالجواب: (فذوقوا العذاب)، فسياق الآية: (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب)، فجواب "إما" عند هؤلاء هو: (فذوقوا العذاب) وليس: (أكفرتم)، ويكون تقدير الكلام عندهم:

فأما الذين اسودت وجوههم، أكفرتم بعد إيمانكم؟، فيقال لهم: ذوقوا العذاب، وحذف القول فاتصلت الفاء بالمقول، وجملة: (أكفرتم بعد إيمانكم) جملة اعتراض.

والضرورة التي أشار إليها ابن هشام، رحمه الله، جاءت في مثل قول عبد الرحمن بن حسان:

من يفعل الحسنات الله يشكرها ******* والشر بالشر عند الله مثلان

فتقدير الكلام: من يفعل الحسنات فالله يشكرها.

ومنه أيضا: قوله تعالى: (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم)، فتقدير الكلام: فيقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف القول واتصلت الفاء بالمقول، وقدمت همزة الاستفهام عليها لأن لها الصدارة دوما خلاف بقية أدوات الاستفهام التي يجوز تقدم الفاء عليها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، والله أعلم.

ومن ذلك أيضا: قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل)، فتقدير الكلام: وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا من العذاب، أو: وأما الذين كفروا فلا يدخلون في رحمة منه وفضل، فاستغنى بذكر أحد القسمين عن الآخر.

وقوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، فتقدير الكلام: وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، ويدل عليه قوله تعالى بعده: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)، أي كل من المتشابه والمحكم من عند الله، والإيمان بكليهما واجب، فافترقت هذه الآية عن سابقتها، بأن المعادل في الآية الأولى محذوف لدلالة الشطر الأول عليه، وهنا: المعادل محذوف لدلالة كلام غير الشطر الأول عليه وهو، كما سبق، قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا).

بتصرف من مغني اللبيب (1/ 78، 79).

وسياق الآية بأكمله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير