فإن قلت: أين جواب الشرط فإن قوله: {فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} ناب عن الجواب، ............... ، قلت: هو محذوف يدل عليه قوله: {فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} كأنه قيل كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه، وقوله: {فَرِيقاً كَذَّبُواْ} جواب مستأنف لقائل يقول: كيف فعلوا برسلهم؟
والزمخشري، غفر الله له، كعادته، إمام البلاغة وفارسها الذي لا يبارى، فلن تعدم نفعا من لفتاته ولطائفه البلاغية، مع الحذر من اعتزالياته التي نبه عليها غير واحد من أهل العلم، إذ يعلل مجيء أحد الفعلين بصيغة الماضي، وهو الفعل "كذبوا"، ومجيء الآخر بصيغة المضارع، وهو الفعل "يقتلون"، بقوله:
فإن قلت: لم جيء بأحد الفعلين ماضياً وبالآخر مضارعاً؟ قلت: جيء يقتلون على حكاية الحال الماضية استفظاعاً للقتل واستحضاراً لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها.
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم).
فقوله: (ثم عموا وصموا كثير)، إما أن يخرج على:
أن "كثير" بدل من "واو الجماعة" في "عموا".
أو على: لغة "أكلوني البراغيث"، فتكون الواو علامة على الجمع، و "كثير" فاعل.
أو، وهو محل الشاهد، على تقدير مبتدأ محذوف، فيكون تقدير الكلام: أولئك كثير منهم.
وإلى ذلك أشار الزمخشري، غفر الله له، بقوله:
{كَثِيرٌ مّنْهُمْ} بدل من الضمير: أو على قولهم: أكلوني البراغيث، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم.
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب)
في قراءة من نون: زينة، ورفع: الكواكب، فيكون تقدير الكلام: إنا زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، فيكون في الكلام قطع إلى الرفع، كقولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، برفع "الرجيم"، أي: هو الرجيم، والله أعلم.
ويشير أبو حيان، رحمه الله، في "بحره المحيط"، إلى هذا الوجه بقوله:
وقرأ زيد بن علي بتنوين زينة، ورفع الكواكب على خبر مبتدأ، أي هو الكواكب
وتحتمل الآية وجها آخر، وهو حذف المضاف وإقامة المضاف إليه محله، فيكون تقدير الكلام: بضوء الكواكب، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما أشار إلى ذلك الزمخشري في "كشافه"، والله أعلم.
ومنه:
قوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت)
ففي قوله: (من لعنه الله): تقدير الكلام على حذف مبتدأ "هو"، فيكون تقدير الكلام: هو من لعنه الله.
يقول أبو حيان رحمه الله:
ومن في موضع رفع كأنه قيل: من هو؟، فقيل: هو من لعنه الله.
ويقول الزمخشري غفر الله له:
و {مَن لَّعَنَهُ ?للَّهُ} في محل الرفع على قولك: هو من لعنه الله، كقوله تعالى:
{قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذ?لِكُمُ ?لنَّارُ}. اهـ
أي: هي النار.
والله أعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 06 - 2006, 07:35 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)، فتقدير الكلام: يخرج من أحدهما اللؤلؤ والمرجان، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو أحد تخريجات ابن هشام، رحمه الله، لقول الشاعر:
فقالوا: لنا ثنتان لابد منهما ******* صدور رماح أشرعت أو سلاسل
فتقدير الكلام: لنا ثنتان لابد من أحدهما.
بتصرف من مغني اللبيب، (1/ 87).
ومثله: قوله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إن شاء قدير)
فتقدير الكلام: ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث في أحدهما، وهي الأرض، من دابة.
يقول الزمخشري غفر الله له:
فإن قلت: لم جاز " فيهما من دابة " والدواب في الأرض وحدها. قلت: يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه كما يقال: بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل وإنما هو في فخذ من أفخاذهم أو فصيلة من فصائلهم وبنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله نويس منهم. ومنه قوله تعالى: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الرحمن: 22، وإنما يخرج من الملح.
ولكن الزمخشري يستدرك فيقول:
¥