{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} إنْ هنا نافية، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه، التقدير: وما أحد من أهل الكتاب.
وفي الآية شاهد لحذف آخر، وهو حذف فعل القسم وأداته والمقسم به، لدلالة اللام "الموطئة" في: (ليؤمنن)، على المحذوفات، فتقدير الكلام: وإن من أهل الكتاب أحد إلا أقسم والله ليؤمنن به، وسبقت الإشارة إلى طرف من ذلك، والله أعلم.
وقوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها)، فتقدير الكلام: وإن منكم أحد إلا واردها، وشرط كون المنعوت المحذوف بعض المجرور بـ "من" وهو هنا: "كم" المتصلة بـ "من"، متحقق.
وقوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
فتقدير الكلام: ومنهم قوم دون ذلك.
وعن ذلك يقول الزمخشري:
{وقطعناهم فِي الارض أُمَمًا} وفرّقناهم فيها، فلا يكاد يخلو بلد من فرقة منهم {مّنْهُمُ الصالحون} الذين آمنوا منهم بالمدينة، أو الذين وراء الصين {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه، وهم الكفرة والفسقة. فإن قلت: ما محل دون ذلك؟ قلت: الرفع، وهو صفة لموصوف محذوف، معناه: ومنهم ناس منحطون عن الصلاح. اهـ
وهنا أيضا، وقع شبه الجملة: (دون ذلك)، صفة لموصوف محذوف في الاختيار.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)
إذ قدر الزمخشري المحذوف بقوله:
الجملة بعد «إلاّ» صفة لموصوف محذوف. والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلاّ آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعني من المرسلين. اهـ
ويشكل على ذلك قول بعض النحاة بأن الجملة الواقعة بعد "إلا" تعرب حالا لا نعتا، فلا يكون في الآية حذف، وإنما يكون تقدير الكلام: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا حال كونهم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
ويكون الرابط بين جملة الحال، وصاحبها، الضمير المتصل "هم" المتصل بـ "إن".
ونظيره قول كثير عزة يمدح عبد الملك بن مروان وأخاه عبد العزيز:
ما أعطياني ولا سألتهما ******* إلا وإني لحاجزي كرمي
فتقدير الكلام: ما أعطياني ولا سألتهما في حالة من الأحوال إلا هذه الحالة.
والرابط هنا "واو الحال"، والضمير "ياء المتكلم"، المتصل بـ "إن".
انظر "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل"، (1/ 287).
مستفاد من النحو المنهجي، التراكيب الوسيطة (الجزئية) "، للدكتور محمد عبد العزيز عبد الدايم، ص82_84.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2006, 08:34 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومنه قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ)
في قراءة من خفف "إن"، فيكون تقدير الكلام، كما أشار إلى ذلك ابن حيان رحمه الله:
ما من الحجارة حجر إلا يتفجر منه الأنهار، فتكون "إن" نافية بمعنى "ما"، و "لما" بمنزلة "إلا"، فيكون في الكلام حصر، ويكون مما حذف منه المبتدأ لدلالة المعنى عليه، والله أعلم.
وما ذكره من الحصر، بجعل "إن" نافية، و "ما" بمعنى "إلا"، نظيره قوله تعالى:
{وإن كلّ لما جميع}، فالمعنى: ما كل إلا لدينا محضرون.
والخبر جملة: (يتفجر منه الأنهار)، ورابط جملة الخبر بالمبتدأ المحذوف: الضمير المتصل في "منه".
وأما من قرأ بتشديد النون، فاسمها هو ضمير الشأن المحذوف، فتقدير الكلام: وإنه من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار.
ونظيره قول الأخطل:
إن من يدخل الكنيسة يوما ******* يلق فيها جآذرا وظباء
أي: إنه من يدخل الكنيسة يوما .......... ، والله أعلم.
ومنه قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ).
فتقدير الكلام: له فيها ثمرات من كل الثمرات.
وإلى ذلك أشار أبو حيان، رحمه الله، بقوله:
ويتخرج مذهب جمهور البصريين على حذف المبتدأ المحذوف تقديره: له فيها رزق، أو: ثمرات من كل الثمرات. ونظيره في الحذف قول الشاعر:
كأنك من جمال بني أقيش ******* تقعقع خلف رجليه بشن
التقدير: كأنك جمل من جمال بني أقيش، حذف: جمل، لدلالة: من جمال، عليه، كما حذف ثمرات لدلالة: من كل الثمرات.
ومنه قوله تعالى: (هذا وإن للطاغين لشر مآب):
يقول أبو حيان رحمه الله:
قال الزجاج: أي الأمر هذا، وقال أبو علي: هذا للمؤمنين، أي ما سبق من النعيم، وقال أبو البقاء: مبتدأ محذوف الخبر، أو خبر محذوف المبتدأ.
ومنه قوله تعالى: (ثم لا يموت فيها ولا يحيا).
يقول الدكتور محمد عبد العزيز عبد الدايم:
إذا تأملنا الآية الكريمة السابقة وجدنا ما يلي:
أولا: أنه قد ورد فيها حذف النعت والمنعوت معا، إذ التقدير النحوي، والله تعالى أعلم بمراده: ولا يحيا حياة طيبة.
ثانيا: أنه لابد من تقدير هذا الحذف لإقامة المعنى، إذ المعنى النحوي، كما تقدم، ولا يحيا حياة طيبة، ولا يخفى أن الحياة الطيبة هي التي أريد نفيها لا مطلق الحياة، لأنهم لا يموتون في النار، والله أعلم.
بتصرف من "النحو المنهجي" ص87.
¥