لأن الفاء لا تخل في جواب "لما"، كما ارتضى ذلك ابن هشام، رحمه الله، خلافا لابن مالك رحمه الله.
ومثله قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به).
ففي الآية ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن جواب "لما" الأولى "لما" الثانية وجوابها، وهذا، كما يقول ابن هشام، رحمه الله، مردود، لاقتران "لما" الثانية بالفاء، وقد سبق امتناع دخولها على جواب "لما".
والوجه الثاني: أن قوله تعالى: (كفروا به)، جواب لهما، لأن الثانية تكرير للأولى.
والوجه الثالث: أن جواب "لما" الأولى محذوف تقديره: أنكروه، و (كفروا به) جواب "لما" الثانية، والله أعلم.
بتصرف من مغني اللبيب، (1/ 185، 186).
وأشار أبو حيان، رحمه الله، إلى وجه آخر من الحذف في قوله تعالى: (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)، بقوله:
ففيها حذف مقابل، فتقدير الكلام: فمنهم مؤمن مقتصد ومنهم جاحد دل عليه، قوله: {وما يجحد بآياتنا}، والله أعلم.
بتصرف من البحر المحيط.
وكذا قوله تعالى: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا)
ففي الآية عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الفعل المضارع "يجادلنا" مؤول بالماضي "جادلنا"، خلافا لابن عصفور، رحمه الله، الذي أجاز مجيء جواب "لما" فعلا مضارعا دون تأويل.
والوجه الثاني: أن الجواب: (وجاءته البشرى)، على زيادة الواو، فيكون تقدير الكلام: فلما ذهب عن إبراهيم الروع جاءته البشرى.
والوجه الثالث: أن الجواب محذوف، وتقديره: فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى أقبل يجادلنا.
بتصرف من مغني اللبيب، (1/ 295).
وقوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم)
يقول ابن هشام، رحمه الله، في معرض كلامه عن اللام في "ليبين":
قيل: زائدة، وقيل: للتعليل، ثم اختلف هؤلاء فقيل: المفعول محذوف، أي: يريد الله التبيين ليبين لكم ويهديكم، أي: ليجمع لكم بين الأمرين.
وإلى هذا الوجه أشار الألوسي، رحمه الله، بقوله:
{يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ} استئناف مقرر لما سبق من الأحكام، ومثل هذا التركيب وقع في كلام العرب قديماً وخرجه النحاة كما قال الشهاب على مذاهب فقيل: مفعول (يريد) محذوف أي تحليل ما أحل وتحريم ما حرم ونحوه، واللام للتعليل أو العاقبة أي ذلك لأجل التبيين، ونسب هذا إلى سيبويه وجمهور البصريين. اهـ
وإليه أشار أبو حيان، رحمه الله، بقوله، فيما ينقله عن ابن عطية رحمه الله:
أي: تحليل ما حلل، وتحريم ما حرم، وتشريع ما تقدّم ذكره. والمعنى: يريد الله تكليف ما كلف به عباده مما ذكر لأجل التبيين لهم بهدايتهم، فمتعلق الإرادة غير التبيين وما عطف عليه، هذا مذهب البصريين.
ومثله قوله تعالى: (وأمرنا لنسلم لرب العالمين).
فتقدير الكلام: وأمرنا بما أمرنا به لنسلم لرب العالمين.
بتصرف من مغني اللبيب، (1/ 233).
والله أعلى وأعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 06 - 2006, 07:56 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومنه قوله تعالى: (فلما بلغ معه السعي)
يقول الزمخشري غفر الله له:
فإن قلت: {مَعَهُ} بم يتعلق؟ قلت: لا يخلو إما أن يتعلق ببلغ، أو بالسعي، أو بمحذوف، فلا يصح تعلقه ببلغ لاقتضائه بلوغهما معاً حدّ السعي، (أي بلغ إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام حد السعي، وهذا أمر غير متصور لأن الثاني ابن الأول وليس قرينا له، ليقال بأنهما بلغا في زمن متقارب حد السعي)، ولا بالسعي لأنّ صلة المصدر لا تتقدم عليه، فبقي أن يكون بياناً، كأنه لما قال: فلما بلغ السعي أي الحدّ الذي يقدر فيه على السعي قيل: مع من؟ فقال مع أبيه. والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس به، وأعطفهم عليه، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله، لأنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة.
بتصرف من "الكشاف"، و "مغني اللبيب"، (2/ 188، 189).
¥