وقوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)، فمن العلماء من قال بأن اليد إذا أطلقت في القرآن فالمراد بها "الكف"، كما في آية حد السرقة، التي بينتها السنة، إذ قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد السارق اليمنى من مفصل الكف، وكذا آية التيمم، التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الكفين، وعليه يكون تقدير الآية السابقة: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم، أي أكفكم، ثم مدوا الغسل إلى المرافق.
بتصرف من مغني اللبيب، (2/ 190، 191).
ومن قال بأن اليد في آية الوضوء هي الكف والساعد بأكمله حتى المرفق، فلا حاجة له إلى تقدير محذوف، و "إلى" عند الفريقين: لبيان الغاية، أي غاية الغسل، ومن العلماء من استدل بهذه الآية على عدم وجوب غسل المرافق مع الأيدي، لأنها غاية، والغاية لا تدخل في المغيى، وهذا قول الظاهرية، رحمهم الله، وقد رد الجمهور بأن هذه القاعدة غير مسلم بها هنا، لأن الغاية لا تدخل في المغيى إذا كان جنسهما مختلف، وأما مع اتحاد الجنس، كما هو الحال في اليد والمرفق، فكلاهما عظم مكسو باللحم والجلد، فإن الغاية تدخل في المغيى، فيشمل الغسل اليد والمرفق، فضلا عن السنة الفعلية التي بينت وجوب غسل المرافق مع الأيدي، كما في حديث جابر، رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم كان يدير الماء على مرفقيه، والله أعلم.
وقوله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا)، إذ تقدير الكلام: ولكن لا تواعدوهن على سر، فأسقط الجار توسعا، كما أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله.
ومثله قوله تعالى: (أعجلتم أمر ربكم)، فتقدير الكلام: أعجلتم عن أمر ربكم.
وقوله تعالى: (واقعدوا لهم كل مرصد)، أي: اقعدوا لهم على كل مرصد.
ونزع الخافض من المواضع التي عدها ابن هشام، رحمه الله، سببا لتعدي الفعل اللازم أو القاصر، إذ الأفعال: "واعد"، "عجل" و "قعد" أفعال لازمة لا تتعدى بنفسها، وإنما تتعدى بحرف الجر، فلما نزع الخافض تعدت إلى المفعول بنفسها، والله أعلم.
بتصرف من مغني اللبيب، (2/ 182).
وقد سبقت الإشارة إلى طرف من ذلك عند الكلام على قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا)، أي: من قومه سبعين رجلا، فلما نزع الخافض تعدى الفعل "اختار" إلى مفعولين "قومه" و "سبعين"، بعد أن كان متعديا لمفعول واحد، فنزع الخافض يرفع الفعل درجة فإن كان لازما عداه لمفعول واحد، وإن كان متعديا لمفعول واحد عداه لمفعولين، والله أعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 07 - 2006, 09:27 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومنه قوله تعالى: (والذين كفروا فتعسا لهم)، فخبر المبتدأ "الذين"، فعل محذوف دل عليه المصدر المذكور "تعسا"، وقد قدره الزمخشري، غفر الله له، بـ "قال" فيكون سياق الكلام: والذين كفروا قال الله عز وجل في حقهم: تعسا لهم، أو مقول فيهم: تعسا لهم.
أو "قضى"، فيكون سياق الكلام: والذين كفروا فقضى الله عز وجل تعسا لهم، أي قدر عليهم التعاسة.
بتصرف من "مغني اللبيب"، (2/ 164)، و "الكشاف"
والخلاف في هذه المسألة مشهور، إذ من النحاة من يجوز وقوع الخبر جملة إنشائية دون الحاجة إلى تقدير محذوف، وعليه تكون جملة "فتعسا لهم" هي الخبر دون الحاجة إلى تقدير ما يدل على الخبرية، ومنهم من يمنع ذلك ويوجب تقدير محذوف يستقيم معه سياق الكلام.
ففي قولك: زيد رحمه الله، على سبيل المثال:
يجوز الفريق الأول، رفع "زيد" على الابتداء، دون إشكال، فتكون جملة "رحمه الله"، الخبرية لفظا الدعائية معنى، هي الخبر دون تقدير قول محذوف.
وأما الفريق الآخر، فإنه يرجح النصب على الرفع، فيكون تقدير الكلام عنده: زيدا رحمه الله، وتكون المسألة عندهم من باب الاشتغال، إذ شغل الفعل "رحم"، بالضمير، هاء الغائب، عن "زيد" فانتصب "زيد" بفعل مقدر من جنس الفعل المشتغل عنه، فيكون تقدير الكلام: رحم الله زيدا رحمه الله.
وإما أن يكون خبرا، في وجه الرفع، ولكن مع تقدير قول محذوف، فيكون السياق: زيد المقول في حقه: رحمه الله، والله أعلم.
ومن الشواهد التي اختلف في تخريجها تبعا للاختلاف في مسألة وقوع الخبر أو الصفة جملة إنشائية:
قول العذري يهجو الفرزدق:
وجد الفرزدق أتعس به ******* ودق خياشيمه الجندل
¥