وقول زهير بن أبي سلمى:
وما أدري وسوف إخال أدري ******* أقوم آل حصن أم نساء
بتصرف من "مغني اللبيب"، (2/ 284)، و "النحو المنهجي، القسم الثالث، التراكيب الوسيطة (الجزئية) "، للدكتور محمد عبد العزيز عبد الدايم، ص199، 200.
قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم)
ففي الحذف وجهان:
أولا أن يكون المحذوف معطوف، فيكون تقدير الكلام: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد وأحد منهم.
والثاني: وهو الذي رجحه ابن هشام، رحمه الله، وهو: ولم يفرقوا بين أحد وبين الله، بدليل قوله تعالى: (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله)، فيكون المحذوف معطوفا أيضا.
مغني اللبيب، (2/ 283).
وقوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء)
فتقدير الكلام: لستم على شيء نافع، فحذف الصفة لدلالة السياق عليها، فالنكرة هنا للتقليل كقول علماء والجرح والتعديل عن راو ما: ليس بشيء، أي: ضعيف.
وكذا قوله تعالى: (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها)
فتقدير الكلام: إلا هي أكبر من أختها السابقة، فحذف الصفة "السابقة" لدلالة السياق عليها.
وكذا قوله تعالى: (تدمر كل شيء)، أي: سلطت عليه، أو: تدمر كل شيء أتت عليه مما هو قابل للتدمير، بدلالة: (ما تذر من شيء أتت عليه).
بتصرف من "مغني اللبيب"، (2/ 282، 283).
وكذا دلالة أنها لم تدمر السماء والأرض، مع أن سياق الآية عام، فـ "شيء" مطلقة عن أي قيد، ومع ذلك قيدت أو، خصصت بمعنى أصح، بمقيد أو مخصص منفصل وهو "الحس"، إذ دل الحس على أنها لم تدمر السماوات والأرض بدليل بقائهما إلى الآن، وهذه الآية مما رد به الإمام، أحمد، رحمه الله، على المعتزلة لما استدلوا بقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)، على خلق القرآن، لأن القرآن شيء، فإذا كان الأمر كذلك وكانت "شيء" مطلقة لا قيد لها في "تدمر كل شيء"، فلم بقيت السماوات والأرض إلى يومنا هذا؟، إلا أن يقال بأن الآية مقيدة أو مخصصة بمقيد أو مخصص منفصل، كما تقدم، فكذا استدلالهم بآية "الله خالق كل شيء"، فالمقصود بالشيئية هنا إثبات الوجود، وإثبات الوجود لا يعني خلقه فليس كل ما يوصف بالوجود يصح أن يوصف بأنه مخلوق، فذات الله، عز وجل، وأسماؤه وصفاته، ومنها الكلام، توصف بالوجود، ولا يقول عاقل، فضلا عن مسلم صحيح الاعتقاد، أنها مخلوقة، فضلا عن تقييد "شيء" في الآية بـ "مما يصح وصفه بالخلق"، فيكون تقدير الآية: الله خالق كل شيء يصح أن يوصف بالخلق، فحذفت الصفة لدلالة العقل عليها، فالعقل، كما سبق، لا يجوز خلق ذات الله، عز وجل، وأسمائه الحسنى وصفاته العلى بما فيها كلامه الذي يقرأه القارئ، فـ:
الصوت والألحان صوت القاري ******* لكنما المتلو قول الباري
كما يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، رحمه الله، في "سلم الوصول"، فلك أن تصف صوت القارئ وحركة لسانه بأنهما مخلوقان، لا ما يقرؤه، ولك أن تصف الورق والمداد الذي تكتب به آيات القرآن بأنهما مخلوقان، لا ذات الآيات.
وهذان المثالان من أشهر الأمثلة التي يستدل بها الأصوليون على مسألتي: التخصيص بالحس والتخصيص بالعقل، والله أعلم.
وأما الزمخشري، غفر الله له، فقد قال بأن "كل" في الآية، لا تدل على الكلية المتبادرة إلى الذهن وإنما هي كناية عن كثرة من هلك منهم، ونص كلامه:
تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير، فعبر عن الكثرة بالكلية. اهـ
وقد سبقت الإشارة إلى هذا النوع وهو حذف الصفة عند الكلام على قوله تعالى: (يأخذ كل سفينة غصبا)، أي: سفينة صالحة، وقوله تعالى: (إن نظن إلا ظنا): أي ظنا ضعيفا، وقوله تعالى: (الآن جئت بالحق)، أي: بالحق البين، والله أعلم.
قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
وقال الكرماني: عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعونها على المسلمين، وهنا وعد للمسلمين وإخبار. وقيل: دعاء أي: قولوا عليهم دائرة السوء. اهـ
¥