فإن قدرت الكلام دعاء، فلا بد من تقدير فعل دعاء أو قول، وأما إذا كان الداعي هو الله، عز وجل، فالدعاء هنا واقع لا محالة، وإلى ذلك أشار أبو حيان، رحمه الله، بقوله:
والدعاء من الله هو بمعنى إنجاز الشيء، لأنه تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته. اهـ، بتصرف يسير.
والله أعلى وأعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 07 - 2006, 09:49 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
فتقدير الكلام: هو فاطر السماوات والأرض، في قراءة من رفع "فاطر"، على أنه خبر لمبتدأ محذوف، كما أشار إلى ذلك أبو حيان، رحمه الله، وأما من جرها، فتوجيه القراءة عنده:
إما على النعت، للاسم الكريم "الله"، فـ "فاطر السماوات"، معرفة، تصلح لنعت الاسم الكريم، أعرف المعارف، اسم الله، عز وجل، العلم، "الله"، وهذا توجيه ابن عطية والزمخشري.
وإما على البدل من الاسم الكريم، "الله"، وهو أشهر توجيه لهذه الآية، وهو اختيار أبي البقاء، وكأنه كما قال أبو حيان رحمه الله، رأى أن الفصل بين المبدل منه والبدل أسهل من الفصل بين المنعوت والنعت، إذ البدل على المشهور هو على تكرار العامل.
قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
في قراءة من ضم الياء وسكن الطاء وكسر الميم في: "فيطمع"، فيكون تقدير الكلام: فيطمع نفسه الذي في قلبه مرض، ويكون المفعول: نفسه، محذوفا، كما أشار إلى ذلك أبو حيان، رحمه الله، في أحد تخريجاته لهذه القراءة، والله أعلم.
وقوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
ويجوز أن يكون من عطف الجمل، ويقدر موصوف محذوف هو المبتدأ أي: ومن أهل المدينة قوم مردوا، أو منافقون مردوا. قال الزمخشري: كقوله: أنا ابن جلا. انتهى
ونص كلام الزمخشري غفر الله له:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم} يعني حول بلدتكم وهي المدينة {منافقون} وهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا نازلين حولها {وَمِنْ أَهْلِ المدينة} عطف على خبر المبتدإ الذي هو ممن حولكم ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدأ والخبر إذا قدّرت: ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق، على أنّ {مَرَدُواْ} صفة موصوف محذوف كقوله:
أَنَا ابْنُ جَلاَ. . . . . . . . . . . .، اهـ
أي أنا ابن رجل جلا الأمور ......................
وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
ويصح على تقدير مبتدأ محذوف، والواو للحال أي: وأنت تزكيهم، لكن هذا التخريج ضعيف لقلة نظيره في كلام العرب. اهـ
فائدة:
قال بعض النحاة أن "من أموالهم"، حال من "صدقة"، لأنها لو تأخرت لأعربت صفة للنكرة "صدقة"، فلما قدمت الصفة على الموصوف النكرة أعربت حالا منه، فأصل الكلام: خذ صدقة من أموالهم، كما في البيت الشهير:
لمية موحشا طلل ******* يلوح كأنه خلل
فأصل الكلام: لمية طلل موحش، فلما تقدمت الصفة "موحش"، على النكرة "طلل" انتصبت على الحالية.
ونظير قولهم في الآية تماما بتمام، قول أبي الطيب:
ولم أر في عيوب الناس شيئا ******* كنقص القادرين على التمام
فالجار والمجرور "في عيوب الناس" في محل نصب على الحالية من "شيئا"، فأصل الكلام: ولم أر شيئا في عيوب الناس.
والإعراب المعتمد، كما رجح أبو حيان، رحمه الله، هو:
أن يكون الجار والمجرور "من أموالهم"، متعلقا بـ "تطهرهم "، وتطهرهم، وتزكيهم حال من ضمير خذ، فالفاعل ضمير خذ، وهو الضمير المستكن المقدر بـ "أنت".
وقد يبدو للناظر، أن "تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ"، متعلقتان بـ "صدقة"، فتكون الأولى بالضمير المستكن فيها، وتقديره في هذه الحالة: "هي"، في محل نصب صفة لـ "صدقة"، و "تزكيهم" معطوف عليها، والله أعلم.
¥