لأنّ (زيداً فاضربه)، على الاشتغال، أحسن من (زيد فاضربه)، بالإخبار بالجملة الإنشائية.
والإخبار بالجملة الإنشائية لا إشكال فيه، كما تقدم، إن قدرت قولا محذوفا، فيكون التقدير: والسارق والسارقة مقول فيهما فاقطعوا أيديهما، فقراءة الرفع لا إشكال فيها من الجهتين:
من جهة الإخبار بجملة إنشائية.
ومن جهة اقتران الخبر بالفاء، لأن المحلى بـ "أل" الموصولة متضمن معنى الشرط، والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 07 - 2006, 09:33 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومنه قوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
وقال الطبري وحكاه: التقدير {قل اتبعوا} فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدّم الذكر عليه وانتصب {قليلا} على أنه نعت لمصدر محذوف و {ما} زائدة أي يتذكرون تذكراً قليلاً أي حيث يتركون دين الله ويتّبعون غيره. اهـ
فحذف المنعوت لدلالة السياق عليه، وبقي النعت دالا عليه، ناهيك عن الفعل الآتي بعده: "يتذكرون"، فهو من جنس المنعوت المحذوف، أي: تذكرا قليلا تذكرون، أو: إنكم تتذكرون تذكرا قليلا، والله أعلم.
ويواصل أبو حيان، رحمه الله، فيقول:
وأجاز الحوفي أن يكون نعتاً لمصدر محذوف والناصب له ولا تتّبعوا أي اتّباعاً قليلاً. اهـ
أي أن المعنى: الانتهاء عن اتباع الأولياء ولو اتباعا قليلا، والله أعلم.
وكذا قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قَائلون}
يقول أبو حيان رحمه الله:
وأجازوا أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل يفسّره أهلكناها تقديره وكم من قرية أهلكنا أهلكناها. اهـ
فتكون المسألة من باب الاشتغال، إذ الفعل "أهلكنا" مشتغل بالضمير، هاء الغائب، عن المفعول "كم من قرية" فلزم تقدير فعل محذوف من جنس المذكور، لينصب "كم"، وتقدمت "كم" عليه لأن لها الصدارة، فتأخر المقدر ليجاور المذكور، وبطبيعة الحال لا يجتمع مقدر ومذكور، لأن الثاني دال على الأول، كما تقدم، والله أعلم.
ويواصل أبو حيان، رحمه الله، فيقول:
ولا بدّ في الآية من تقدير محذوف مضاف، لقوله أو هم قائلون، (أي لتخريج مرجع الضمير، واو الجماعة في "قائلون")، فمنهم من قدّره وكم من أهل قرية ومنهم من قدّره أهلكنا أهلها وينبغي أن يقدّر عند قوله {فجاءها} أي فجاء أهلها لمجيء الحال من أهلها بدليل أو هم قائلون. اهـ
لأن "أهل"، في تقدير: وكم من أهل قرية، و "أهل" في تقدير: "أهلها"، يصلحان لرجوع الضمير، واو الجماعة، عليهما.
وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
وقيل على حذف مضاف، والتقدير أسباب معايش كالزرع والحصد والتجارة وما يجري مجرى ذلك وسمّاها معايش لأنها وصلة إلى ما يعاش به. اهـ، بتصرف يسير، وسبقت الإشارة مرارا لمسألة حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
وقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
يقول الزمخشري غفر الله له:
{وَلَوْ تَرَى} جوابه محذوف تقديره. ولو ترى لرأيت أمراً شنيعاً. اهـ
وحذف جواب الشرط لدلالة السياق عليه مما سبقت الإشارة إليه في أكثر من موضع.
قوله تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)، في قراءة «شيخ» بالرفع، يقول الزمخشري:
و {شَيْخًا} نصب بما دلّ عليه اسم الإشارة. وقرىء: «شيخ» على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا بعلي هو شيخ. أو بعلي: بدل من المبتدأ، وشيخ: خبر، أو يكونان معاً خبرين.
فإما:
أن يعرب "شيخا" بالنصب على الحالية، ويكون عامل الحال هو معنى الإشارة في "هذا"، فكأن المعنى: وأشير إلى بعلي حالة كونه شيخا، والله أعلم.
وإما أن يرفع "شيخ"، على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو.
وإما أن يرفع "شيخ"، أيضا، على أنه خبر "هذا" بإعراب "بعلي" بدلا من اسم الإشارة "هذا". وإما أن يرفع أيضا، على أنه خبر ثان، لـ "هذا" بإعراب "بعلي" مبتدأ أول، "شيخ" مبتدأ ثان.
والوجهان الأخيران يشابهان القول في قوله تعالى: (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً)، فإما أن يكون "أخي"، بدلا من اسم الإشارة "هذا"، ومتعلق شبه الجملة "له تسع وتسعون نعجة": "كائن"، في محل رفع خبر إن.
وإما أن يكون "أخي"، خبرا أول ومتعلق الجار والمجرور خبرا ثانيا، على قول من يجيز تعدد الأخبار.
وبطبيعة الحال الأوجه التي لا يقدر فيها المحذوف، وهي أكثر، أرجح من الوجه الوحيد الذي قدر فيه محذوف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، والله أعلم.
¥