ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 07 - 2006, 11:47 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون).
يقول ابن هشام، رحمه الله، ما ملخصه:
نص بعض العلماء على أن "كم" الخبرية معلقة لـ "يروا" عن العمل في جملة "أهلكنا قبلهم"، فيعلق الفعل لفظا لا محلا، كما هو معلوم، وانتصبت "كم" بـ "أهلكنا"، لأن لها الصدارة فلا يعمل فيها إلا ما بعدها، وجملة "أهلكنا ...... " سدت مسد مفعولي "يروا"، و "أنهم"، وهو محل الشاهد، بتقدير "بأنهم"، وكأنه قيل: أهلكناهم بالاستئصال، فتبين المعنى بهذه الباء المقدرة التي أوجبت فتح همزة "إن"، لأنها وصلتها في محل جر اسم مجرور لحرف الجر المقدر، وهذا الموضع من مواضع فتح همزة "إن" وجوبا، والله أعلم.
بتصرف من شرح شذور الذهب، ص380.
وقوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)
فتقدير الكلام عند الأخفش: أتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل؟، بتقدير همزة استفهام، وكأنه يستنكر عليه هذه النعمة ويتعجب من امتنانه عليه بها، لأن حقيقتها تعبيد بني إسرائيل وإذلالهم، ولولا ذلك لما صار موسى صلى الله عليه وسلم إليهم بعد أن ألقته أمه في اليم خوفا عليه فالتقطوه، فهي نعمة في حقه، نقمة في حق قومه، وهو واحد منهم، فكأنه أحسن إليه بالإساءة إلى قومه كلهم، فأي نعمة هذه؟!!، والله أعلم.
بتصرف من "مغني اللبيب"، (1/ 37).
يقول الزمخشري غفر الله له:
...... وأبى أن يسمى نعمته إلا نقمة. حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل، لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه.
ويقول أبو حيان رحمه الله:
والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى عليه السلام بالنعمة، كأنه يقول: وتربيتك لي نعمة عليّ من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولداً، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي. وإلى هذا التأويل ذهب السدّي والطبري.
وقال قتادة: هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة، كأنه يقول: أو يصح لك أن تعتد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم؟ أي ليست بنعمة، لأن الواجب كان أن لا تقتلني ولا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك.
وقوله تعالى: (هذا ربي)
فقد ذهب الأخفش إلى نفس التقدير في الآية السابقة، فتقدير الكلام عنده: أهذا ربي؟ استنكارا منه أو تعجبا من اتخاذ مثل هذا المخلوق إلها، والله أعلم.
بتصرف من "مغني اللبيب"، (1/ 37).
وعنها يقول الزمخشري:
{هذا رَبّى} قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه. لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكرّ عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة {لا أُحِبُّ الآفلين} لا أحبّ عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال، المتنقلين من مكان إلى آخر، المحتجبين بستر، فإنّ ذلك من صفات الأجرام. اهـ
ويقول أبو حيان رحمه الله:
وقيل هي استفهامية على جهة الإنكار حذف منها الهمزة كقوله:
بسبع رمين الجمر أم بثمان ... ، قال ابن الأنباري: وهذا شاذ لأنه لا يجوز أن يحذف الحرف إلا إذا كان ثم فارق بين الإخبار والاستخبار وإذا كانت خبرية فيستحيل عليه أن يكون هذا الإخبار على سبيل الاعتقاد والتصميم لعصمة الأنبياء من المعاصي، فضلاً عن الشرك بالله. اهـ
والبيت الذي استشهد به أبو حيان، رحمه الله، من شعر عمر بن أبي ربيعة، ونصه:
فوالله ما أدري وإن كنت داريا ******* بسبع رميت الجمار أم بثمان
أي: أبسبع رميت الجمار ........ ، وسبقت الإشارة إليه.
ومما ذكره ابن هشام، رحمه الله، من شواهد هذه المسألة:
قول عمر بن أبي ربيعة أيضا:
ثم قالوا: تحبها؟، قلت: بهرا ******* عدد الرمل والحصى والتراب
أي قالوا: أتحبها ..........
وقول الكميت:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ******* ولا لعبا مني وذو الشيب
أراد: أو ذو الشيب يلعب، وتقدمت همزة الاستفهام على واو العطف لأن لها الصدارة دوما حتى على أدوات العطف خلاف بقية أخواتها من أدوات الاستفهام، التي، وإن تصدرت وجوبا، إلا أنها لا تتقدم على أدوات العطف، والله أعلم.
¥