ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 08 - 2006, 11:18 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
ومن ذلك أيضا:
قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)
إذ قدر بعض العلماء فعلا محذوفا عاملا في "أرجلكم"، فيكون تقدير الكلام: وامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم.
وشاهده من كلام العرب:
علفتها تبنا وماء باردا ******* حتى بدت همالة عيناها
فأصل التركيب: علفتها تبنا وسقيتها ماء، إذ عطف الفعل "سقيتها" المحذوف على الفعل المذكور "علفتها"، وقد دل على الفعل المحذوف معموله: "ماء"، ويجمع الفعلين دلالة التقديم كأنه قدم لها تبنا وماء.
وقد يقال بأن الفعل "علفتها" ضمن معنى الفعل "قدمت لها"، فلا يكون في الكلام حذف لاستقامة السياق دون تقدير محذوف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، والله أعلم.
وهنا، أيضا، قد يقال، بأن الفعل "امسحوا" قد ضمن معنى يصلح للعمل في "الرءوس" و "الأرجل"، كأن يقال، كما سيأتي تفصيلا إن شاء الله، بأن المسح هو: الغسل الخفيف، والغسل الخفيف يصح أن يطلق على مسح الرأس، وغسل القدم مع مراعاة الاقتصاد في الماء حتى كأن الغاسل يمسح قدميه بالماء مسحا، ولا يسرف في صب الماء عليهما.
ومن ذلك، أيضا، قول الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى ******* متقلدا سيفا ورمحا
أي متقلدا سيفا وحاملا رمحا، فاستغنى عن ذكر الحمل بذكر التقلد، وقد يقال بأن فعل التقلد ضمن معنى الحمل، فهو يحمل كليهما، والله أعلم.
وأما قراءة من جر "أرجلكم"، فقد خرجت على مجاورتها المجرور "رءوسكم"، والقراءة الأشهر: قراءة النصب عطفا على "وجوهكم" و "أيديكم"، واستدل بهذه القراءة على وجوب الترتيب في غسل أعضاء الوضوء لأن الفصل بين مغسولين "أيديكم" و "أرجلكم" بممسوح "برءوسكم" يدل على وجوب الترتيب.
وخالف المحققون رأي من قال بأن الجر هنا على المجاورة لأن حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة، والخلاصة في هذه المسألة:
أن العرب تطلق لفظ "المسح" على المسح المعروف، وعليه حمل العلماء قراءة ابن كثير المكي وابن عامر الشامي، رحمهما الله: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)، بجر: "أرجلكم"، على أنها معطوف على المجرور "برؤوسكم"، فيكون المقصود هنا هو المسح على القدمين، ولا يكون المسح على القدمين، عند أهل السنة والجماعة، إلا إذا كانتا بخفين، واحتج أهل السنة بحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، عند مسلم، مرفوعا: (ويل للأعقاب من النار)، وفيه استدلال ظاهر في وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ، وأما قراءة الجر فهي محمولة على:
الجر بالمجاورة، وهو مما تكلمت به العرب، فيكون الجر هنا لفظا لا معنى لمجاورة "أرجلكم" لـ: "برؤوسكم"، ومن ذلك قول أنس، رضي الله عنه، يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس بجعد قطط ولا سبط، رجل)، بجر "رجل" بفتح الراء وكسر الجيم، "أي متسرح الشعر"، فلا هو جعد شديد الجعودة ولا هو سبط مسترسل الشعر، بجرها على المجاورة لمجرور، رغم أن حقها الرفع، على الاستئناف على تقدير مبتدأ محذوف: هو، فيكون سياق الكلام: ليس بجعد قطط ولا سبط بل هو رجل.
واستغنى عن ذكر فعل الغسل، بذكر فعل المسح، فتقدير الكلام: وامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم، والعرب قد تستغني عن أحد الفعلين بذكر الآخر، كقولك: أكلت الخبز واللبن، أي: أكلت الخبز وشربت اللبن، وسبقت الإشارة إلى شواهد ذلك من كلام العرب، وكذا الإشارة إلى رد المحققين على هذا القول بامتناع المجاورة للفصل بحرف العطف "الواو" بين "برءوسكم" و "أرجلكم".
وهذا خلاف ما عليه الإمامية الاثني عشرية الذين يقولون بالمسح على الأقدام وإن كانت عارية، وخلافهم غير معتبر، وإن تابعهم على بعض رأيهم بعض أهل السنة كالحسن البصري وابن جرير الطبري، رحمهما الله، فقالا بأن الواجب أحد أمرين: المسح أو الغسل، لأن قراءة النصب والجر، كلاهما متواتر، فساغ العمل بأيهما.
وذهب الظاهرية، رحمهم الله، إلى الجمع بين المسح والغسل، وحجتهم في ذلك، أيضا، أن كلا القراءتين متواتر، فلا يحصل الإجزاء إلا بالجمع بينهما، والله أعلم.
¥