جامدا لا يتصرف، عوض عن الشرط المقدر بفعل متحد معه في المعنى دون اللفظ، كما تقدم، وهو الفعل "تأتوا"، فلا يجوز أن يقدر: فإن تتعالوا، لأن "تعال"، كما تقدم، فعل جامد لا مضارع له ولا ماضي حتى توهم بعضهم أنه اسم فعل، والله أعلم.
بتصرف من "شرح شذور الذهب"، ص360.
فائدة:
الأفعال الجامدة على قسمين:
قسم جامد على الماضي، كـ: "بئس" و "نعم" و "ليس" و "عسى"، وأكثر الجوامد صيغت على الماضي.
وقسم جامد على الأمر كـ "هات" و "هب" بمعنى "ظن" بضم الظاء، "وتعلم" بمعنى "اعلم"، و "تعال".
مستفاد من شرح الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الجليل، حفظه الله، لـ "شرح شذور الذهب".
وفي المسألة مذهب آخر أشار إليه الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، فقال ما ملخصه:
المذهب الثاني: أن الجازم لهذا المضارع، أي "أتل" في الآية، هو نفس الطلب المتقدم عليه، أي الفعل "تعالوا"، دون الحاجة لتقدير أي محذوف وهو مذهب:
الخليل وسيبويه، رحمهما الله، اللذين عللا ذلك بأن الطلب المتقدم قد تضمن معنى حرف الشرط، ونظير ذلك أسماء الشرط كـ "متى" و "حيثما"، اللذان يجزمان المضارع لتضمنهما معنى حرف الشرط "إن".
و السيرافي والفارسي، رحمهما الله، اللذين عللا ذلك بأن الطلب إنما جزم المضارع المتأخر عنه لكونه قد ناب مناب فعل الشرط كما أن المصدر ينصب المفعول به في نحو قولك: "ضربا زيدا"، لأنه ناب مناب فعل الأمر.
وقد رجح الشيخ محيي الدين، رحمه الله، مذهب ابن هشام، وحكم على التعليلين السابقين بقوله: وكلا التعليلين غير مستقيم، لا جرم كان مذهب الجمهور هو الصحيح.
وكذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
أي: فافسحوا إن تفسحوا يفسح الله لكم، و: انشزوا إن تنشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم.
وقوله تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة)
أي: إن تقل لهم أقيموا الصلاة يقيموها.
وقد أبطل ابن مالك، رحمه الله، هذا الوجه لأن تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال، ولكن التخلف واقع، فبعض من توجه إليهم الخطاب لا يصلون.
وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال، لا على كل فرد فيهم، فيحتمل أن الأصل: يقمها أكثرهم، ثم حذف المضاف إليه "أكثر"، واتصل المضاف إليه: الضمير "هم" بالفعل "يقيمها"، فارتفع، وآل الفعل إلى: يقيموها.
أو باحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالإيمان مطلقا، بل المخلصين منهم، وكل مؤمن مخلص قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أقم الصلاة أقامها.
ويحتمل أن المقصود التنبيه على سرعة امتثالهم للأمر، فأي مؤمن، وخاصة الصدر الأول من الأصحاب، رضوان الله عليهم، والقرون المفضلة، لا يتوانى عن امتثال الأمر، فالقوم كانوا فعالين لا قوالين، وهم المخاطبون ابتداء بهذا النص، فكأنهم من سرعة امتثالهم أقاموا الصلاة مباشرة بمجرد سماع الأمر، فأصبحت إقامة الصلاة معلقة على مجرد سماع الأمر، والله أعلم.
وقال المبرد: التقدير: قل لهم أقيموا يقيموا، والجزم في جواب "أقيموا" المقدر لا في جواب "قل".
بتصرف من "مغني اللبيب"، (1/ 243).
ونظيره قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)
أي: إن تقل لهم غضوا أبصاركم يغضوها.
وهي كالآية السابقة تماما بتمام، فإما أن يقال:
الأمر على سبيل الإجمال، أو هو منصب على المخلصين، أو دال على سرعة الامتثال المعلق على مجرد سماع الأمر، أو: قل لهم غضوا يغضوا، كما أشار إلى ذلك المبرد، والله اعلم.
وكذا قوله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)
أي: ذرهم فإن تذرهم يأكلوا ويتمتعوا.
وقوله تعالى: (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ)
أي: ذروها فإن تذروها تأكل في أرض الله.
وقوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)
أي: وأذن فيهم فإن تؤذن يأتوك رجالا.
وقوله تعالى: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا)
أي فاتبعني فإن تتبعني أهدك صراطا سويا.
وقوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا).
أي: استغفروا إن تستغفروا يمتعكم مناعا حسنا.
والله أعلى وأعلم.
¥