تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} لما ذكر تعالى أوامر ونواهي ذكر وعده من اتبع أوامره واجتنب نواهيه، ووعد تتعدى لاثنين، والثاني محذوف تقديره: الجنة، وقد صرح بها في غير هذا الموضع. والجملة من قوله: لهم مغفرة، مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب، لأن الجنة مترتبة على الغفران وحصول الأجر. وإذا كانت الجملة مفسرة فلا موضع لها من الإعراب، والكلام قبلها تامْ وجعل الزمخشري قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم، بياناً للوعد قال: كأنه قال: قدم لهم وعداً فقيل: أي شيء وعده؟ فقال لهم: مغفرة وأجر عظيم. أو يكون على إرادة القول وعدهم وقال لهم: مغفرة، أو على إجراء وعد مجرى قال: لأنه ضرب من القول، أو يجعل وعد واقعاً على الجملة التي هي مغفرة، كما رفع تركنا على قوله: {سلام على نوح في العالمين}، أي:

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} من الأمم هذه الكلمة، وهي: {سلام على نُوحٍ} يعني يسلمون عليه تسليماً، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: {سُورَةٌ أنزلناها} [النور: 1].

فكأنه قيل: وعدهم هذا القول، وإذا وعدهم مَن لا يخلف الميعاد فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم، وهذا القول يتلقونه عند الموت ويوم القيامة، فيسرون ويستريحون إليه، وتهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى التراب انتهى.

ومن ذلك قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ).

إذ ينقل أبو حيان، رحمه الله، عن ابن عطية الأندلسي المالكي، رحمه الله، قوله: وفي الكلام محذوف تقديره: أيضرني شككم، أو أيمكنني طاعتكم، ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية. انتهى

فكأن جواب الشرط محذوف، لدلالة السياق عليه.

وللآية تخريج آخر، على القول بأن "إن" الشرطية وشرطها: "كنت"، وجوابها: "فمن ينصرني" قد مسد مسد مفعولي "أرأيتم" على القول بأنها "رأى" القلبية التي تتعدى لمفعولين، والله أعلم.

وقوله تعالى: (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)

فتقدير الكلام: أتنهانا عن أن نعبد ما يعبد آباؤنا.

وقوله تعالى: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)

فتقدير الكلام: وذلك دين الملة القيمة، فأنثت "القيمة" لأنها نعت لمؤنث محذوف "الملة"، كما أشار إلى ذلك شيخ المفسرين الإمام محمد بن جرير الطبري، رحمه الله، بقوله:

(وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وأُنِّثت القيمة، لأنها جعلت صفة للملة، كأنه قيل: وذلك الملة القيِّمة، دون اليهودية والنصرانية.

وقوله تعالى: (قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)

فقد ذكر أبو حيان، رحمه الله، وجها لهذه الآية تقديره: من أنصاري ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه؟، بتقدير حال محذوف من الياء، في: "أنصاري".

وقد أشار أبو حيان، رحمه الله، لعدة أوجه أخرى أشار إليها بقوله:

قال السدّي: من أعواني مع الله. وقال الحسن: من أنصاري في السبيل إلى الله. وقال أبو علي الفارسي معنى: إلى الله: لله، كقوله: {يهدي إلى الحق} أي للحق وقيل: من ينصرني إلى نصر الله. وقيل: من ينقطع معي إلى الله، قاله ابن بحر وقيل: من ينصرني إلى أن أبين أمر الله وقال أبو عبيدة: من أعواني في ذات الله؟ وقال ابن عطية: من أنصاري إلى الله. عبارة عن حال عيسى في طلبه من يقوم بالدين، ويؤمن بالشرع ويحميه، كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل، ويتعرض للأحياء في المواسم. اهـ

وقوله تعالى: {نحن أنصار الله}، أي:

نحن أنصار دين الله، أو أنصار الداعي إلى الله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما أشار إلى ذلك أبو حيان رحمه الله.

وقوله تعالى: (يعلم ما يسرون وما يعلنون).

فتقدير الكلام: يعلم ما يسرونه وما يعلنونه، فحذف عائد الصلة لدلالة السياق عليه، وسبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

ونظيره:

قوله تعالى: (وحبط ما صنعوا فيها).

أي: وحبط ما صنعوه فيها.

وقوله تعالى: (وضل عنهم ما كانوا يفترون).

أي: وضل عنهم ما كانوا يفترونه.

وقوله تعالى: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)

أي: يخوفكم بأوليائه، وإلى ذلك أشار الزمخشري، غفر الله له، بقوله:

ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف، بمعنى إنما ذلكم قول الشيطان، أي قول إبليس لعنه الله {يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ} يخوّفكم أولياءه الذين هم أبو سفيان وأصحابه.

ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ)

أي: بأن لا تعبدوا إلا الله.

فجملة "أن لا تعبدوا إلا الله" بدل من جملة "إني لكم نذير مبين"، وإلى ذلك أشار الزمخشري، غفر الله له، بقوله:

(وقرىء بالكسر على إرادة القول {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ} بدل من {إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ} أي أرسلناه بأن لا تعبدوا {إِلاَّ الله} أو تكون «أن» مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير). اهـ

والشاهد قوله: (أي أرسلناه بأن لا تعبدوا)، والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير