تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 08 - 2006, 12:34 ص]ـ

بسم الله

السلام عليكم

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)، فتقدير الكلام: وهو الذي في السماء هو إله، وفي الأرض هو إله، فـ "إله" خبر لمبتدأ محذوف "هو"، والمبتدأ المحذوف هو عائد الصلة، فلو أعرب "في السماء" خبر مقدم، و "إله" مبتدأ مؤخر، لخلت جملة الصلة من عائد لذا وجب تقدير عائد لها وهو المبتدأ المحذوف "هو"، فجملة: "في السماء إله" لا عائد فيها على الصلة.

بتصرف من "مغني اللبيب"، (2/ 95، 96).

وهذه الآية مما يتعلق به من يزعم بأن الله، عز وجل، ليس مستويا على عرشه، بدليل أن الآية أثبتت أنه في السماء والأرض، ولو كان في السماء، بمعنى العلو المطلق، لقال: في السماء، ولم يتبعها بـ: في الأرض، فضلا عمن زاد وغلا وقال بحلول الله، عز وجل، في مخلوقاته، أو اتحاده بها، والرد على هذه الشبهة: أن الصلة "إله" بينت المقصود من الظرفية في "في السماء" و "في الأرض"، فالصلة تثبت الألوهية، لا الوجود والحلول، فتقدير الكلام: وهو الذي في السماء إله يعبد، وفي الأرض إله يعبد، لأن متعلق الألوهية العبادة، فالإله هو المعبود، كما تقول: فلان ملك في مصر وفي الشام، فيفهم السامع أن سلطانه يشمل كليهما، ولا يلزم من ذلك أن يكون حالا بذاته فيهما في نفس الوقت، ولله المثل الأعلى، فهو معبود في السماء معبود في الأرض، وهو مع ذلك غير حال بذاته العلية فيهما، بل بائن من خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، كما أخبر، عز وجل، عن نفسه، في آيات الاستواء على العرش، وحجتهم تصح لو كانت الصلة كلمة يفهم منها الوجود والحلول كـ "موجود"، فلم يقل الله، عز وجل، وهو الذي في السماء موجود وفي الأرض موجود، ليكون للقوم حجة، ولو قيل ذلك في غير القرآن، لكان تأويله ممكنا بما يتفق مع آيات علو الله، عز وجل، المحكمة، كأن يقال: هو موجود بعلمه في السماء وفي الأرض، كما يقال في آيات المعية، كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فالمقصود بالمعية هنا: المعية العلمية لدلالة السياق على ذلك فقبلها: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) وبعدها: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، أو: هو موجود بقدرته في السماء والأرض، أو: هو موجود فيهما بمعنى أنهما بآياتهما شاهدان على بديع صنعه، عز وجل، ................... الخ من الصفات التي أثبتها الله، عز وجل، لنفسه أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.

المهم أن يقيد الوجود بمعنى لائق بالله، عز وجل، فيحمل متشابه القول على محكمه، وإن كان الأولى عدم إطلاق هذه الألفاظ الموهمة وإن كان مقصود القائل حقا لئلا يقع الاشتباه، فيتوقف في ذلك على ما جاء به التنزيل والسنة الصحيحة، وإطلاق لفظ "الموجود" على الله، عز وجل، جائز من جهة الإخبار عنه، لا من جهة تسميته بهذا الاسم، لأن أسماء الله، عز وجل، توقيفية، لا تعلم إلا بنص من قرآن أو سنة صحيحة، كما تقدم، والله أعلم.

وأما من يحتج بمعنى الظرفية في قولك: "الله في السماء"، زاعما أن معنى هذا أن السماء تحيط به، والمخلوق لا يحيط بالخالق، عز وجل، فالرد عليه: بأن السماء المقصودة في هذا القول ليست السماء المخلوقة التي نراها، وإنما هي: العلو المطلق، فالعرب تطلق على كل ما علا الإنسان سماء، فالسحاب سماء لأنه يعلو الأرض، كما في قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً)، والسماء المخلوقة سماء، والعلو المطلق: سماء، فيؤول المعنى إلى: الله في العلو المطلق فوق السماوات المخلوقة مستو على عرشه، كما تقدم، أو يقال بأن "في" هنا بمعنى: على، كما في قوله تعالى: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، أي: على جذوع النخل، فلا يتصور أنه سينقب جذوع النخل لصلبهم في داخلها، وإنما أتى بـ "في" هنا للدلالة على التمكن، كما أشار إلى ذلك الزمخشري، غفر الله له، بقوله: شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه، فلذلك قيل: {فِي جُذُوعِ النخل}. اهـ، فيقال هنا أيضا: "الله على السماء"، أي فوق السماء المخلوقة في العلو المطلق، فآل المعنى إلى نفس المعنى السابق.

وبهذا يرد على كل الآيات التي توهم، ابتداء، هذا المعنى الفاسد، كقوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)

فالمعنى المقصود مستفاد من قوله تعالى: (الله)، فهو الإله المعبود في السماوات والأرض، لا الحال فيهما، أو هو العالم بما فيهما لدلالة السياق على ذلك، إذ أتى بعدها قوله عز وجل: (يعلم سركم وجهركم)، فدل على أن المقصود بالظرفية هنا علم الله، عز وجل، بما هو كائن فيهما، والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير