أرجو أن تكون وجهة نظري واضحة.
والله أعلم.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[03 - 01 - 2007, 08:50 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أخي الكريم الأستاذ علي وفقه الله ..
موضوع إعراب الجمل بحاجة إلى إعادة النظر في كثير من قضاياه ..
الأصل في الجمل أخي الكريم ألا يكون لها محل من الإعراب لأنها ليست محلا لتوارد معاني الفاعلية والمفعولية والإضافة، التي اختصت بها الأسماء، فلا يتصور عقلا إسناد الفعل إلى الجملة إلا إذا أريد لفظها، وكذلك لا تقع الجملة مفعولا إلا إذا أريد لفظها، ولا تقع الجملة مضافا إليها أيضا، فإذا أريد الإسناد إلى مضمون الجملة أو النسبة المنعقدة بين جزأيها استعمل المصدر الصريح أو المؤول، فلا يصح أن يقال: أعجبني قام زيد، إلا إذا أريد أعجبني هذا الكلام أو هذا اللفظ، وكذلك المفعول لا يجوز أن يقال: كتبت قام زيد، إلا إذا إريد: كتبت هذا الكلام، وكذلك لا يجوز أن يقال: هذا شأن قام زيد، إلا إذا أريد: هذا شأن هذا اللفظ.
فما ورد مما ظاهره أن الفعل مسند إلى الجملة فليس الإسناد في الحقيقة إلى الجملة نفسها، وإنما الإسناد إلى اسم له تعلق بالجملة كأن يكون المراد اللفظ، كقوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا .. ) فالفعل قيل مسند إلى لفظ آمنوا، أي إذا قيل لهم هذا القول، أو يكون المراد مدلول الجملة العام كالآيات التي أوردتها، فقد بدا لهم الإصرار والتأكيد على سجنه، والآية الثانية الفعل يتبين فيها مسند إلى آثار فعل الله بهم وكيفية وقوعها، والآية الثالثة الفعل فيها مسند إلى تدبر كثرة القرون التي أهلكها الله عز وجل.
والأصل في الجمل التي لها محل من الإعراب الجملة الواقعة محل خبر المبتدأ، وجملة الصفة وجملة الحال محمولتان على الجملة الخبرية، وما تبقى من الجمل لا محل لها من الإعراب.
أما جملة المفعول بعد القول فالمراد لفظ الجملة، وأما الجملة التي تضاف إليها الظروف فالإضافة فيها ينبغي أن يراد بها اللزوم لا أن محلها الجر، فهي في الحقيقة لا محل لها من الإعراب، وبخاصة الجمل التي تلازم الظروف أي الجمل الواردة بعد الظروف التي لا يقع بعدها الاسم المفرد، لأن الجملة التي تقع مثل هذه المواقع التي لا يقع فيها المفرد كلها لا محل لها من الإعراب.
فثم أمران يجب التنبه لهما في هذا الباب:
الأول أن الجمل ليست محلا لتوارد المعاني المقتضية للإعراب.
الثاني أن الجملة إذا وقعت في موقع خاص بالجمل، بحيث يمتنع وقوع المفرد فيه فلا محل لها من الإعراب.
مع التحية الطيبة.
ـ[علي المعشي]ــــــــ[04 - 01 - 2007, 01:42 ص]ـ
أخي الكريم (علي المعشي)
مسألة تعسف التأويلات والتقديرات هذه مسألة نسبية، فإذا كنت أنت ترى أن بعض التأويلات فيه تعسف، فهذه وجهة نظرك التي نحترمها، ولكن جماهير النحويين لا يرونها، فكيف نجبرهم على أن يفهموا كفهمنا؟
وأنا أرى أن الخلاف في أمثال هذه المسائل لا يجدي؛ لأنه خلاف نظري؛ فإن ورود الفاعل جملة صريحة لم يرد في القرآن، فلا يصح عند الجمهور أن تقول: (يعجبني يقومُ زيد)، أما ما ورد في القرآن فهو صحيح اتفاقا، وكون البصريين خرجوه بتأويل، والكوفيين خرجوه على ظاهره فهذا لا يفسد للود قضية لأنه يبقى خلافا نظريا.
وهذا يشبه الخلاف في قوله تعالى (إذا السماء انشقت) فالجملة صحيحة اتفاقا، ولكن الخلاف في تخريجها، وهذا كثير في مسائل الخلاف بين الفريقين.
وكذلك قوله تعالى: {ثم عموا وصموا كثير منهم} حمله بعضهم على لغة (أكلوني البراغيث)، والجمهور على خلافه ولهم فيه تأويلات وتقديرات.
وكذلك قوله تعالى: {إنَّ هذان لساحران}، وغير ذلك كثير من الآيات والنصوص الواردة عن العرب.
فمسألة التأويل المتعسف هذه يلجأ إليها الفريقان من نحاة الكوفة والبصرة في كثير من المسائل، فليست خاصة بالكوفيين، وإنما يحملهم عليها ما يجدونه مما لا يوافق المعهود من لغة العرب، ولا يتخذون ذلك قاعدة لازمة في جميع الأحيان.
فلا تظن أن نحاة الكوفة بمعزل عن التأويل المتعسف أحيانا.
فإذا علمنا ذلك اتضح لنا أن رفض القول لمجرد دعوى أنه تقدير متكلف لا تسلم لقائلها مطلقا؛ لأنه لا يعرف أحد من النحاة إلا وقد استعمل في بعض الأحيان هذه التأويلات المتكلفة.
أرجو أن تكون وجهة نظري واضحة.
والله أعلم.
مرحبا أخي الحبيب أبا مالك
أشكرك جزيل الشكر، وأرجو ألا يدور بخلَدك أني أشجع على التساهل في المسائل النحوية، أو أني مقتنع مطلقا بآراء الكوفيين .. كلا بل أجد آراء البصريين في معظم مسائل النحو ـ حسب رأيي ـ أجود وأقرب إلى نفسي فأتبعها غالبا .. ولكم اتهمني زملائي بالتشدد والتّزمُّتِ من جراء ذلك.
وإنما قصدت اقتناعي برأي بعض نحاة الكوفة فيما يتعلق بالآيات الثلاث على وجه التحديد، ولم أقصد تفضيل مدرسة الكوفة على مدرسة البصرة، فهما تكملان بعضهما، ولا يخلو أي منهما من مزايا ومآخذ كأي عمل بشري، والأمر هنا نسبي، وإن كانت مدرسة البصرة ـ في رأيي ـ أكثر مزايا وأقل مآخذ.
أخي وأستاذي الأغر
من القلب أشكرك على ما سطرته هنا من غزير علمك وخلاصة فكرك العميق، فليحفظك الله ذخرا لطلبة العلم، وليجعل ذلك في ميزان حسناتك ..
أخي الكريم .. لم أقصد أن يكون الفاعل هو ظاهر الجملة لأن ذلك لا يصح كما تفضلت، وفي ثلاث الآيات لا يمكن أن تكون الجملة بلفظها فاعلا، ولما كان التأويل لا بد منه لكي نصل إلى ما أسند إليه الفعل في كل آية منها رأيت أن المعنى يستقيم إذا قدرنا الفاعل في ضوء دلالة كل جملة من الجمل (ليسجننه ـ كم أهلكنا ـ كيف فعلنا بهم)، لأن البحث عن الفاعل المقدر في منأى عن هذه الجمل قد يسلك بالمعنى مسلكا بعيدا، ولم أقصد أن نجعل لفظ الجملة فاعلا.
على أني لست مقتنعا بالقول بجواز مجيء الجملة فاعلا مطلقا كقولهم (أعجبني قام زيد)، وإنما اقتنعت بتأويل الجملة بفاعل في مثل الآيات المذكورة لأن المعنى يتطلب ذلك.
شكرا من الأعماق لكم جميعا.
وتقبلوا تحياتي وخالص ودي.