ويمنيه ويماطله حتى طال الوقت على أبي الطيب ومل من الانتظار، فتناوشته هموم الغربة والانتظاروأمرضته الرفاهية وكثرة القعود فكانت الحمى تنتابه بين الفينة والفينة حتى إذا اشتدت عليه في أحد الأيام جادت قريحته بهذه القصيدة التي بدأها مفتخراً ثم تطرق إلى وصف الحمى بوصف لم يسمع تاريخ الأدب بمثله. ومنها قوله:
مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ .. وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
ذَراني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ .. وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
فَإِنّي أَستَريحُ بِذا وَهَذا .. وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ
عُيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَيني .. وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي
فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ .. سِوى عَدِّي لَها بَرقَ الغَمامِ
يُذِمُّ لِمُهجَتي رَبّي وَسَيفي .. إِذا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِمامِ
وَلا أُمسي لِأَهلِ البُخلِ ضَيفًا .. وَلَيسَ قِرىً سِوى مُخِّ النِعامِ
فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبًّا .. جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ
وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ .. لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ
يُحِبُّ العاقِلونَ عَلى التَصافي .. وَحُبُّ الجاهِلينَ عَلى الوَسامِ
وَآنَفُ مِن أَخي لِأَبي وَأُمّي .. إِذا ما لَم أَجِدهُ مِنَ الكِرامِ
أَرى الأَجدادَ تَغلِبُها جميعًا .. عَلى الأَولادِ أَخلاقُ اللِئامِ
وَلَستُ بِقانِعٍ مِن كُلِّ فَضلٍ .. بِأَن أُعزى إِلى جَدٍّ هُمامِ
عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ .. وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي .. فَلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئًا .. كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
أَقَمتُ بِأَرضِ مِصرَ فَلا وَرائي .. تَخُبُّ بِيَ المَطِيُّ وَلا أَمامي
وَمَلَّنِيَ الفِراشُ وَكانَ جَنبي .. يَمَلُّ لِقاءَهُ في كُلِّ عامِ
قَليلٌ عائِدي سَقِمٌ فُؤادي .. كَثيرٌ حاسِدي صَعبٌ مَرامي
عَليلُ الجِسمِ مُمتَنِعُ القِيامِ .. شَديدُ السُكرِ مِن غَيرِ المُدامِ
وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً .. فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ
بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا .. فَعافَتها وَباتَت في عِظامي
يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها .. فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ
إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني .. كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ
كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري .. مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ
أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ .. مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ
وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ .. إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ .. فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ
جَرَحتِ مُجَرَّحًا لَم يَبقَ فيهِ .. مَكانٌ لِلسُيوفِ وَلا السِهامِ
أَلا يا لَيتَ شَعرَ يَدي أَتُمسي .. تَصَرَّفُ في عِنانٍ أَو زِمامِ
وَهَل أَرمي هَوايَ بِراقِصاتٍ .. مُحَلّاةِ المَقاوِدِ بِاللُغامِ
فَرُبَّتَما شَفَيتُ غَليلَ صَدري .. بِسَيرٍ أَو قَناةٍ أَو حُسامِ
وَضاقَت خُطَّةٌ فَخَلَصتُ مِنها .. خَلاصَ الخَمرِ مِن نَسجِ الفِدامِ
وَفارَقتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ .. وَوَدَّعتُ البِلادَ بِلا سَلامِ
يَقولُ لي الطَبيبُ أَكَلتَ شَيئًا .. وَداؤُكَ في شَرابِكَ وَالطَعامِ
وَما في طِبِّهِ أَنّي جَوادٌ .. أَضَرَّ بِجِسمِهِ طولُ الجِمامِ
تَعَوَّدَ أَن يُغَبِّرَ في السَرايا .. وَيَدخُلَ مِن قَتامِ في قَتامِ
فَأُمسِكَ لا يُطالُ لَهُ فَيَرعى .. وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللِجامِ
فَإِن أَمرَض فَما مَرِضَ اِصطِباري .. وَإِن أُحمَمْ فَما حُمَّ اِعتِزامي
وَإِن أَسلَم فَما أَبقى وَلَكِن .. سَلِمتُ مِنَ الحِمامِ إِلى الحِمامِ
تَمَتَّع مِن سُهادِ أَو رُقادٍ .. وَلا تَأمُل كَرًى تَحتَ الرِجامِ
فَإِنَّ لِثالِثِ الحالَينِ مَعنًى .. سِوى مَعنى اِنتِباهِكَ وَالمَنامِ
ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[06 - 07 - 2007, 07:23 م]ـ
مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ .... وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
ملومكما: مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل جر بالإضافة, والميم علامة جمع الذكور والألف علامة المثنى
يجل: فعل مضارع مرفوع بالضمة , والفاعل ضمير مستتر تقديره هو
والجملة الفعلية في محل رفع خبر
عن الكلام: جار ومجرور متعلقان بالفعل يجل
ووقع فعاله: الواو عاطفة
وقع: مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف
فعاله: مضاف اليه مجرور بالكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة
فوق: ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بخبر محذوف وهو مضاف
الكلام: مضاف اليه مجرور بالكسرة
والجملتان المعطوف احداها عاى الثانية ابتدائيتان لا محل لهما
ـ[ريتال]ــــــــ[06 - 07 - 2007, 08:10 م]ـ
ذَراني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ .. وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
محاولة
ذراني: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بألف الإثنين، وألف الإثنين ضمير متصل مبني على السكون في محال رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
الواو: واو المعية مبنية على الفتح لا محل لها من الإعراب
الفلاة: مفعول معه منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
بلا: الباء حرف جر، حرف نفي مبني على السكون في محل جر اسم مجرور، وشبه الجملة من الجار والمجرور متعلقان بالفعل ذراني
دليل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
ووجهي: الواو عاطفة، وجهي اسم معطوف على الفلاة منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها انشغال المحل بحركة الياء، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه
والهجير بلا لثام، كإعراب " والفلاة بلا دليل
¥