تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تقديم الصفة على الموصوف وتكلف النحاة]

ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[12 - 03 - 2007, 01:37 ص]ـ

:::

الأصل في الصفة أن تتلو الموصوف، وعلَّة ذلك:

أنَّ الصفة " تتمَّة للموصوف وزيادة في بيانه، والزيادة تكون دون المزيد عليه، وأمَّا أن تفوقه فلا، فإذن وجه الكلام أن تبدأ بالأعرف، فإن كفى وإلاَّ أتبعته ما يزيده بيانا " (1).

وأنَّ الصفة خبر في الحقيقة، فيجوز لمن قال: جاءني زيدٌ الفاضل، أن يقال له: كذبت فيما وصفته أو صدقت، كما جاز ذلك في الخبر (2)، ووجه الشبه بين الخبر والصفة أنَّ كلاًّ منهما محلٌّ للفائدة، والأصل فيه أن يتأخَّر عن مُعتمد الفائدة (المبتدأ، والموصوف).

وأنَّ الصفة تابعة للموصوف، والتابع لا يقع قبل متبوعه (3).

ولهذا منع النحاة تقديم الصفة على الموصوف، وجعله ابن جنِّي قبيحًا (4)، وقصره ابن عصفور على المسموع وذكر أنَّه قليل (5)، فهو بذلك أقرب إلى أن يكون شاذًّا.

وممَّا جاء منه قول النابغة الذبيانيّ:

والمؤمن العائذاتِ الطيرَ يمسحها ركبانُ مكَّة بين الغيل والسندِ (6)

وقول حسَّان بن ثابت:

ومن لئيمٍ عبدٍ يخالفكم ليست له دعوةٌ ولا شرفُ (7)

وإن كان يحتمل كون (لئيم) و (عبد) وصفان لمحذوف.

ابن يعيش 3/ 58.

انظر: السابق.

انظر: أمالي ابن الشجري 1/ 9.

انظر: الخصائص 2/ 391.

انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/ 218.

ديوانه /15، وانظر: شرح الأبيات المشكلة الإعراب /430، والمرجع السابق.

ديوانه /165.

وقد استُثني من منع تقديم الصفة على الموصوف أمران:

الأوَّل: ما نقله الأشموني (1) عن صاحب البديع (2) من جواز تقديم الصفة على الموصوف إذا كان لاثنين أو جماعة وقد تقدَّم أحد الموصوفين، فتقول: قام زيدٌ العاقلان وعمرو، ومنه قول الشاعر:

ولستُ مقرًّا للرجال ظلامةً أبى ذاك عمِّي الأكرمان وخاليا (3)

الثاني: أن يصلح النعت لمباشرة العامل، فيتقدَّم مبدلاً منه المنعوت (4)، ومن شواهده في القرآن قوله تعالى: ? إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللّهِ ... ? (5)، ومن الشعر قول الشاعر:

ولكنِّي بُليتُ بوصل قومٍ لهم لحمٌ ومُنكَرةٌ جسومُ (6)

ولأنَّ تقديم الصفة على الموصوف على غير القياس فقد ذكر النحاة أنَّ الصفة المتقدِّمة تنتقل إلى الحاليَّة، قال سيبويه: " هذا باب ما ينتصب لأنَّه قبيحٌ أن يُوصَف بما بعده ويُبنَى على ما قبله، وذلك قولك: هذا قائمًا رجلٌ، وفيها قائمًا رجلٌ، لمَّا لم يجز أن توصف الصفة بالاسم، وقبُح أن تقول: فيها قائمٌ فتضع الصفة موضع الاسم، كما قبُح: مررتُ بقائم، وأتاني قائم، جعلتَ القائم حالاً وكان المبنيّ على الكلام الأوَّل ما بعده، ولو حسُن أن تقول: فيها قائمٌ لجاز: فيها قائمٌ رجلٌ، لا على الصفة، ولكنَّه كأنَّه لمَّا قال: فيها قائمٌ قيل له: من هو؟ وما هو؟ فقال: رجلٌ، أو: عبد الله، وقد يجوز على ضعفه. وحُمِل هذا النصب على جواز: فيها رجلٌ قائمًا، وصار حين أُخِّر وجهَ الكلام فرارًا من القبح " (7)، ثمَّ قال: " وهذا كلامٌ أكثر ما يكون في الشعر، وأقلّ ما يكون في الكلام " (8).

شرح الأشموني 2/ 315.

محمَّد بن مسعود الغزني المعروف بابن الذكيّ، ت 421 ه، انظر: بغية الوعاة 1/ 245.

شرح الأشموني 2/ 315.

انظر: شرح التسهيل 3/ 319، 320، و شرح الأشموني 2/ 333.

سورة إبراهيم، من الآيتين 1، 2.

شرح التسهيل 3/ 320.

الكتاب 2/ 122.

السابق 2/ 124.

وفي نصِّ سيبويه دلالات، منها:

1 - أنَّ حذف الموصوف قبيحٌ عنده.

2 - ولأنَّ حذفه قبيحٌ لم يجز تأخيره عن الصفة؛ لأنَّ تأخيره بمثابة حذفٍ ثمَّ ذكر.

3 - أنَّ قبح التقديم وضعفه لم يمنعا من جوازه على إبدال الموصوف من الصفة،4 - وحمله في ذلك لدلالة التشويق.

5 - أنَّ كون المقدَّم حالاً ونصبه أولى من بقائه على الصفة وإتباعه.

6 - جواز مجيء الحال من النكرة مقدَّمًا عليها.

7 - اختصاص مجيء الحال المتقدِّمة من النكرة بالشعر،8 - وقلَّته في الكلام.

وممَّا تقدَّمت فيه الصفة المفردة على النكرة فصارت حالاً قول كثيِّر:

لعزَّة موحشًا طللُ (1)

وقول الشاعر:

وبالجسم منِّي بيِّنًا لو علمتِه شحوبٌ وإن تستشهدي العينَ تشهدِ (2)

فالأصل: طللٌ موحش، وشحوبٌ بيِّن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير