وبعد ذلك استعرضت الآيات قصص عدد من أنبياء الله منهم نوح , وهود , وصالح , وموسي , وهارون , وعيسي ابن مريم (علي نبينا وعليهم جميعا من الله السلام) , مؤكدة وحدة رسالة السماء , والأخوة بين الأنبياء , وأن دعوتهم جميعا كانت إلي عبادة الله (تعالي) وحده (بغير شريك , ولا شبيه , ولا منازع , ولا صاحبة ولا ولد , لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والله الخالق منزه عن جميع صفات خلقه) , وأن منطق التوحيد الذي أمروا بتبليغه إلي أممهم كان واحدا: (أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ولكن للأسف الشديد انصرف أغلب هذه الأقوام عن رسل ربهم , وقاوموهم , وحاربوا أتباعهم , وحتي هؤلاء الأتباع سرعان ما اختلفوا فيما بينهم , وابتدعوا في دينهم , وحرفوا رسالات ربهم حتي أخرجوها عن إطارها الرباني , وأفقدوها القدرة علي هدايتهم فضلوا وأضلوا , وغرقوا إلي آذانهم في الدنيا وشهواتها ظانين أن ما يمدهم الله (تعالي) به من مال وبنين هو خير لهم , وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالي):
فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون * فذرهم في غمرتهم حتي حين * أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (المؤمنون:53 ـ 56)
ثم تعاود الآيات إلي إضافة عدد آخر من صفات المؤمنين فتقول:
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون * ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون *
(المؤمنون:57 ـ 62)
وبالمقابل تعاود السورة الكريمة إلي ذكر عدد من صفات الكفار والمشركين ممثلين في كفار ومشركي قريش , ومن سار علي نهجهم إلي يوم الدين , عارضة جانبا مما سوف يعانون منه من حسرة وندم في يوم القيامة فتقول:
بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون * حتي إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون * لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون * قد كانت آياتي تتلي عليكم فكنتم علي أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون * أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين * وإنك لتدعوهم إلي صراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون *
(المؤمنون:63 ـ 74)
وترد السورة الكريمة علي كل من منكري البعث والمتطاولين علي وحي السماء , وخلصت إلي تنزيه الذات الإلهية عن كل وصف لا يليق بجلال الله , فتقول:
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون * عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون *
(المؤمنون:92,91)
وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي وصف صورة من إكرام المؤمنين الصالحين وذل الكافرين والمشركين والظالمين في ساعات الاحتضار وعند البعث وبعد الحساب فتقول:
حتي إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون * قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسأوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتي أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون * (المؤمنون:99 ـ 111)
¥