وبعد هذه المقارنة بين موقف المؤمنين الذين يطلبون المغفرة والرحمة من رب العالمين , وموقف كل من الكفار والمشركين الذين يقفون من المؤمنين موقف السخرية والاستهزاء في الدنيا , تشير الآيات إلي مصير هؤلاء وأولئك في الآخرة وقد انتقم الله (تعالي) من الكفار والمشركين , وجزي المؤمنين بأن جعلهم الفائزين.
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد علي أن البشر لم يخلقوا عبثا , وأنهم راجعون حتما إلي الله الملك الحق الذي لا إله إلا هو رب العرش الكريم , وبإعادة استنكار شرك المشركين الذين أنذرتهم بعقاب الله الشديد , ونعتتهم بالكافرين , وقضت بعدم فلاحهم أبدا , وفي المقابل وجهت الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) ـ ومن ورائه جميع المؤمنين ببعثته الشريفة إلي يوم الدين ـ أن يطلب كل منهم المغفرة والرحمة من الله الذي هو خير الراحمين , وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالي):
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون * وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين * (المؤمنون:115 ـ 118)
من ركائز العقيدة في سورة المؤمنون
(1) الإيمان بالله (تعالي) وبملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , وبأن الجنة حق , وأن النار حق , وبأنه لن يرث الجنة خلودا إلا المؤمنين الذين عددت السورة الكريمة بضعا من صفاتهم ولذلك سميت باسمهم.
(2) اليقين بأن الله (تعالي) قد خلق الإنسان من سلالة من طين , وقدر مراحله الجنينية مرحلة بعد أخري حتي تتم تسويته في خلقته الكاملة , وأن له بعد هذه الحياة الموت , ثم عليه من بعد الموت البعث والحساب لأن الإنسان لم يخلق عبثا , وأنه حتما عائد إلي خالقه ليجزيه علي عمله في الحياة الدنيا.
(3) التصديق بأن الله (تعالي) هو خالق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن , وأنه (سبحانه) منزل الماء بقدر من السماء , فأسكنه في الأرض , وأنه (سبحانه وتعالي) قادر علي الذهاب به وإفنائه , وأنه منشء الزروع , ومبدع الأنعام وخالق كل شيء.
(4) الإيمان بوحدة رسالة السماء , وبالأخوة بين الأنبياء , وبدعوتهم الواحدة إلي توحيد الخالق (سبحانه وتعالي) , وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله.
(5) اليقين بأن الله (تعالي) هو عالم الغيب والشهادة , وأنه (سبحانه) هو خير الرازقين , وأنه هو الذي يحيي ويميت , وأن له اختلاف الليل والنهار , وأنه هو رب العرش الكريم , وأن الشرك به كفر , وأنه لا يفلح الكافرون.
(6) التسليم بأنه لا عودة بعد الموت إلا في يوم البعث , لأن الأموات من ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون , وبأنه عند نفخة الصور الأولي يصعق كل حي , وعند النفخة الثانية يبعث كل ميت.
(7) الإيمان بأن من ثقلت موازينهم في حساب الآخرة فأولئك هم المفلحون , وبأن من خفت موازينهم فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون.
من الإشارات الكونية في سورة المؤمنون
(1) الإشارة إلي خلق الإنسان من سلالة من طين , ووصف مراحل الجنين البشري المتتالية بدقة بالغة في زمن لم يتوفر فيه أي من وسائل التكبير أو الكشف.
(2) التأكيد علي خلق السماوات السبع وما بينها من طرائق (فواصل)
(3) ذكر إنزال الماء من السماء بقدر وإسكانه في الأرض مما يؤكد علي حقيقة أن أصل الماء المخزون في صخور القشرة الأرضية هو ماء المطر وهي حقيقة لم تدرك إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
(4) الإشارة إلي الارتباط الوثيق بين إنزال الماء من السماء وإخراج النبات من الأرض , وإنشاء جنات من نخيل وأعناب وغير ذلك من أشجار الفواكه والثمار ونباتات المحاصيل المختلفة.
(5) وصف شجرة الزيتون بأنها تنبت بالدهن وصبغ للآكلين , والإشارة إلي شجر الزيتون الذي ينبت في طور سيناء بصفة خاصة.
(6) الإشارة إلي أن في خلق الأنعام عبرة للمعتبرين , وأن فيما يخرج من بطونها من لبن , وما يؤكل منها من لحم , وفي اتخاذها وسيلة للركوب والحمل في البر كما تتخذ الفلك في البحر , وفي غير ذلك من منافعها الكثيرة لآيات للمتدبرين.
¥