(7) ذكر حاسة السمع قبل كل من الأبصار والأفئدة , والدراسات العلمية في العقود المتأخرة تؤكد علي سبق حاسة السمع لجميع الحواس الأخري في تخلقها.
(8) الإشارة الضمنية الرقيقة بتعبير اختلاف الليل والنهار إلي حقيقة كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس.
(9) ذكر عدد من أنبياء الله وتفاعل أقوامهم معهم بدقة بالغة تؤكد دراسات الآثار صدق كل ما جاء فيها , منهم نوح , وموسي وهارون , وعيسي بن مريم (علي نبينا وعليهم من الله السلام) , وغير ذلك كثير ممن تمت الإشارة إليهم بصورة مجملة ولاتزال آثارهم شاهدة علي صدق ما روت آيات سورة المؤمنون عنهم.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الأولي من القائمة السابقة.
معلومات مهمة وقيمة
من الدلالات العلمية للآيات الثلاث
أولا: في قوله تعالي: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين *:
يشبه تركيب جسم الإنسان في مجموعه التركيب الكيميائي لتراب الأرض المختلط بالماء (أي الطين) مع زيادة واضحة في عناصر الأكسجين , والهيدروجين , والكربون , والفوسفور في جسم الإنسان , وذلك لغلبة الماء فيه (54% إلي أكثر من 70%) ولاستفادة النبات الذي يتغذي عليه الإنسان بغاز ثاني أكسيد الكربون المستمد من الجو في بناء سلاسل الغذاء حول ذرة الكربون (الكربوهيدرات) , ولقدرة كل الخلايا الحية (النباتية , والحيوانية , والإنسية) علي تركيز الفوسفور ومركباته.
ويتكون طين الأرض في غالبيته من المعادن الصلصالية التي تتركب أساسا من سليكات الألومنيوم المميأة , وتشمل عددا من المعادن التي تزيد علي العشرة , والتي تختلف عن بعضها البعض باختلاف كل من درجات التميؤ ونسب كل من الألومنيوم والسيليكون , أو باختلاف العناصر المضافة ومن أهمها كل من المغنيسيوم والبوتاسيوم. وكثيرا مايختلط بالمعادن الصلصالية المكونة للتربة أو للطين نسب متفاوتة من حبات الرمل (الكوارتز) والفلسبار وصفائح الميكا , وأكاسيد الحديد , وبعض المعادن الثقيلة , بالإضافة إلي شيء من الرماد البركاني , ودقائق الأملاح , والجير (الكلس) ودقائق الرماد الناتج عن مختلف عمليات الاحتراق , وحبوب اللقاح وغيرها من بقايا النبات , والبكتيريا وغيرها من الأحياء وبقاياها , وبعض آثار الغبار الكوني وبقايا الشهب , وغيرها , مما يجعل من مكونات طين الأرض شيئا شبيها بمكونات جسم الإنسان.
وتراب الأرض من الرواسب الفتاتية الناعمة الحبيبات التي تقل أقطار حبيباتها عن 256/ 1 من الملليمتر , وإن اختلطت به بعض حبيبات الغرين (16/ 1 مم إلي 256/ 1 مم) والرمل (4/ 1 مم إلي 16/ 1 مم). وهذه النعومة في حبيبات التربة تجعل مساميتها تتراوح بين 70% و 80% فتمتليء هذه المسام بالماء والهواء , وبأيونات ودقائق العناصر والمركبات المختلفة التي توجد في الحالة الغروية , ولعل ذلك هو المقصود من قول ربنا (تبارك وتعالي):
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين *
(المؤمنون:12)
وهذه الحقيقة كما تنطبق علي الإنسان الأول [أبينا آدم (عليه السلام)] تنطبق علي جميع نسله الذين كانوا في صلبه لحظة خلقه , والذين ورث كل فرد منهم شيئا من هذا التراب الأولي.
وهذا الشيء الموروث من الأب الأول ينمو علي دماء أمه وهو في بطنها , ودماؤها مستمدة من غذائها المستمد أصلا من عناصر الأرض , ثم بعد ولادته يفطم علي لبن أمه , أو علي لبن غيرها من المرضعات أو علي ألبان الحيوانات المباحة وكل ذلك مستمد أصلا من تراب الأرض , وبعد فطامه يتغذي الطفل علي كل من نبات الأرض , وعلي المباحات من المنتجات الحيوانية وكلها مستمد أصلا من عناصر الأرض , ومن هنا كانت الإشارة القرآنية الكريمة التي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالي):
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين *
إشارة معجزة لما فيها من حقائق علمية لم تتضح لأصحاب العلوم المكتسبة إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين أي بعد تنزل القرآن الكريم بأكثر من ثلاثة عشر قرنا.
ثانيا: في قوله تعالي: ثم جعلناه نطفة في قرار مكين *:
بسبب استطالة الزمن بين الخلق من سلالة من طين , والخلق من نطفة في قرار مكين استخدم القرآن الكريم حرف العطف (ثم) الذي يدل علي الترتيب مع التراخي.
¥