و (النطفة) في اللغة هي القليل من الماء الذي يعدل قطرة أو بضع قطرات وجمعها (نطف) و (نطاف) , وقد استخدمها القرآن الكريم للتعبير عن خلية التكاثر ( Gamete) سواء كانت مؤنثة ( Ovum) أو مذكرة ( Sperm) وذلك في اثنتي عشرة آية قرآنية كريمة هي: (النحل /4, الكهف /37; الحج /5; المؤمنون /14,13, فاطر /11, يس /77, غافر /67, النجم /46, القيامة /37, الإنسان /2, وعبس /19).
وقد سمي القرآن الكريم اتحاد النطفتين التكاثريتين الذكرية والأنثوية باسم النطفة الأمشاج أي المختلطة ( Zygote) في الآية الثانية من سورة الإنسان , وهو أول تعبير علمي دقيق عن تخلق الجنين باتحاد النطفتين الذكرية والأنثوية , وانطلاقا من ذلك جاء قول رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حين سئل: مم يخلق الإنسان؟ فأجاب: ... من كل يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة (مسند الإمام أحمد بن حنبل) وهي حقيقة لم يتوصل العلم المكتسب إلي معرفتها إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي (1775 م /1186 هـ).
وبالتقاء النطفتين الذكرية والأنثوية تتكون النطفة الأمشاج ( Zygote) التي يتكامل فيها عدد الصبغيات المحدد للنوع البشري [46 صبغيا في 23 زوجا منها 22 تحمل الصفات الجسدية , وزوج يحمل الصفات الجنسية وهما ( x+x) في الأنثي , ( x+y) في الذكر].
ويتم إخصاب النطفة المؤنثة (البييضه) ـ في الغالب ـ بنطفة ذكرية واحدة (أي بحيوان منوي واحد) وفي ذلك يقول المصطفي (صلي الله عليه وسلم): ما من كل الماء يكون الولد.
وبعد إتمام عملية الإخصاب تبدأ النطفة الأمشاج بالانقسام السريع إلي خلايا أصغر فأصغر حتي تتحول إلي كتلة كروية من الخلايا الأرومية تعرف باسم التويتة ( Morula), ثم تتمايز الي طبقتين: خارجية وداخلية مكونة ما يعرف باسم الكيسة الأرومية ( Blastocyst) التي تبدأ في الانغراس بجدار الرحم مع اليوم السادس من تاريخ الإخصاب وحتي اليوم الرابع عشر , وتعرف هذه المرحلة باسم مرحلة الغرس أو الحرث ( Implantation) وتستغرق أسبوعا كاملا حتي يتم انغراس النطفة الأمشاج عديدة الانقسامات في جدار الرحم فتنقل من طور النطفة إلي طور العلقة.
وطول النطفة يتراوح بين 1 وـ مم إلي 68 وـ مم , ووصف كل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لهذا الطور الدقيق جدا في زمن لم يكن متوافرا فيه أية وسيلة من وسائل التكبير أو الكشف , ووصفه بأنه ناتج عن إخصاب النطفتين المذكرة والمؤنثة يعتبر سبقا علميا لم يتوصل إليه العلم المكتسب إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي أي بعد تنزل القرآن الكريم بأكثر من أحد عشر قرنا.
وبما أن الآيات الثلاث (12 ـ 14) من سورة المؤمنون التي نحن بصددها تتحدث عن الأطوار المتتالية في تكون الجنين الإنساني فمن المنطقي أن يكون التعبير (نطفة في قرار مكين) يقصد به النطقة الأمشاج في داخل الرحم الذي جعله الله (تعالي) مستقرا لها يأويها ويغذيها (علي الرغم من أن من طبيعة جسم الإنسان أن يطرد أي جسم غريب يزرع فيه) , وجعله مكينا بوضعه في وسط جسم الأنثي , وفي مركز من الحوض العظمي , وبإحاطته بالعضلات والأربطة والأغشية التي تثبته بقوة في جسم المرأة , وتثبت الجنين به علي مدي تسعة أشهر كاملة أو حول ذلك , وقد وهب الله (تعالي) الرحم القدرة علي الاستجابة لنمو الجنين بالتمدد المستمر مع زيادة الجنين في الحجم , وأحاط هذا المخلوق الناشيء بكل من السائل الأمنيوسي , والغشاء الأمنيوسي المندمج بالمشيمة , وعضلات الرحم السميكة ثم جدار البطن وبذلك جعله ربنا (تبارك وتعالي) قرارا مكينا للنطفة الأمشاج حتي تنمو إلي الجنين الكامل. وهذا إجماع المفسرين والأطباء المختصين إلي عصرنا الراهن استنادا إلي قول ربنا (تبارك وتعالي):
... ونقر في الأرحام مانشاء إلي أجل مسمي ... * (الحج:5)
وقوله (تعالي):
ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلي قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون * (المرسلات:20 ـ 23)
¥