وقد اقترح الأستاذ الدكتور كريم حسنين في كتابه المعنون دورة حياة الإنسان بين العلم والقرآن أن يكون المقصود بالقرار المكين هو غدة التناسل في الإنسان ( Gonad), ولا أري خلافا يستدعي الجدل في ذلك , لأنه إذا كان المقصود بالنطفة في هذه الآية الكريمة النطفة الأمشاج كما يدل علي ذلك سياق الآيات فقرارها المكين هو الرحم بلا جدال , وإذا كان المقصود هو النطفة المجردة بمعني خلية التكاثر الذكرية أو الأنثوية فقرارها المكين هو غدد التناسل في كل من الذكر والأنثي.
ويبقي وصف القرآن الكريم للمكانين بالقرار المكين سبقا علميا لم يصل إليه العلم المكتسب إلا بعد أكثر من عشرة قرون كاملة علي أقل تقدير.
ثالثا: في قوله تعالي ثم خلقنا النطفة علقة ... :
لطول الفترة الزمنية من لحظة الإخصاب إلي تمام تعلق الكيسة الأرومية (النطفة الأمشاج المنقسمة إلي أقسام كثيرة) والتي تصل إلي الأسبوعين (من اليوم الأول إلي الرابع عشر) استخدم القرآن الكريم حرف العطف (ثم) الذي يدل علي الترتيب مع التراخي.
ففي خلال أسبوعين من بدء الإخصاب تتم عملية تعلق الكيسة الأرومية بجدار الرحم بواسطة المشيمة البدائية التي تتحول فيما بعد إلي الحبل السري. وباطراد النمو , وتعدد الخلايا , وبدء تكون الأجهزة (وفي مقدمتها الجهاز العصبي ممثلا بالحبل الظهري , والجهاز الدوري الابتدائي ممثلا بأنابيب القلب وحزمة من الأوردة والشرايين) يستطيل الجنين في نهاية الأسبوع الثالث (من اليوم الحادي والعشرين إلي اليوم الخامس والعشرين من عمره) ليأخذ شكل دودة العلق ( Leech) في هيأتها , وفي تعلقها بجسم العائل , وفي تغذيتها علي دم الحيوان العائل الذي تعلق به). وعلي ذلك فإن الوصف القرآني لهذا الطور من أطوار جنين الإنسان بتعبير (العلقة) في زمن لم يكن متوافرا فيه أية وسيلة من وسائل التكبير أو الكشف لطور يتراوح طوله بين 7. ـ مم و 3,5 مم يعتبر أمرا معجزا حقا.
رابعا: في قوله تعالي: ... فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ... *:
هذه مراحل ثلاث في تطور الجنين البشري , ميزها القرآن الكريم وربطها مع بعضها البعض بحرف العطف (ف) الذي يدل علي الترتيب مع التعقيب والاشتراك , وذلك لتتابعها المرحلة تلو الأخري في تعاقب سريع علي النحو التالي:
(1) تحول العلقة إلي مضغة: يستمر طور العلقة من نهاية الأسبوع الثاني إلي ما قبل نهاية الأسبوع الرابع من عمر الجنين (أي من اليوم الخامس عشر إلي الخامس والعشرين) وفي منتصف الأسبوع الرابع من عمر الجنين (أي في حدود اليوم الرابع والعشرين إلي السادس والعشرين من بدء الإخصاب) تنتقل العلقة إلي طور جديد سماه القرآن الكريم باسم المضغة وذلك ببدء ظهور عدد من الفلقات عليها تعرف باسم الكتل البدنية ( Somites) والتي تبدأ بفلقة واحدة ثم تتزايد في العدد حتي تصل إلي ما بين 40 و 45 فلقة , وذلك مع تمام الأسبوع الرابع وبدايات الأسبوع الخامس من عمر الجنين (أي في اليوم الثامن والعشرين إلي الثلاثين من تاريخ الإخصاب).
ونظرا إلي تعدد تلك الكتل البدنية فإن الجنين يبدو كأنه قطعة صغيرة من اللحم الممضوغ بقيت عليها طبعات أسنان الماضغ واضحة كما تبقي مطبوعة علي قطعة من العلك الممضوغ.
ومع استمرار نمو المضغة تبدو فلقاتها في تغير مستمر في أشكالها وأحجامها ومواضعها , ويصحب ذلك التغير شيء من الانتفاخ والتغضن والتثني تماما كما يحدث مع قطعة العلك الممضوغة مع تكرار مضغها. ومن هنا كان الإعجاز القرآني في تسمية تلك المرحلة الدقيقة (والتي لا يتعدي طولها واحد سم في نهاية تلك المرحلة) باسم المضغة , والمضغة ـ لغة ـ هي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ , أو التي مضغت ولاكتها الأسنان تاركة طبعاتها عليها.
¥